الأقيال

الهاشميه السياسيه…… والـحـزن الــــيمنـي…


الهاشميه السياسيه…… والـحـزن الــــيمنـي

مـصـطفـۍ مـحـمـود

الحزن هو إحساس إنساني فردي، يدلّ على عدم قدرة الجسد على التعبير عمّا يستطيع القيام به وما يرغب في تحقيقه. فحتى لو ارتبط الحزن دائمًا بموضوع خارجي؛ حيث نحزن عندما نفقد حبيبًا أو قريبًا أو صديقًا مثلًا، فإن ذلك يأتي بالضبط لأن جسدنا لن يكون قادرًا على التأثير في موضوع الحزن، لن نستطيع مثلًا استعادة من فقدناه، ولن نستطيع تغيير ما وقع، فينفجر الحزن في الجسد دافعًا إياه نحو البكاء أو الحسرة أو القهر والغصّة والاكتئاب، وذلك نتيجة انعدام قدرتنا على التأثير، وعدم تحقق رغبتنا في تغيير ما حدث.

لا يمكننا الحزن على أشياء مجرّدة، بل نحن نحزن دائمًا لأشياء مجسدّة ومحددة ومشخصّة، أشياء نكون قادرين على التأثر والتأثير فيها، فإن لم نتمثل ما نحزن لأجله، لم نتمكن من الحزن عليه؛ ولذلك مثلًا قد تتحرك البشرية لرؤية طفل عالق في مكان ما بين الحياة والموت، ولكن لا يتحرّك أحد عندما يسمع أرقام ضحايا، مجرّد أرقام، ولذلك أيضًا نحزن أكثر على من نعرفهم وعاشرناهم، ونحزن أقل على من لا نعرفهم. لكن الحزن ذاته قد يصبح مجردًا، عندما يتحول إلى حالة دائمة، جو عام ووضع اجتماعي، كآبة مديدة وفقدان للمعنى، وفقدان للقدرة على التأثير والتأثر بالعالم.

سلطة المليشيا الحوثية ، التي هي موضوعنا، هي مصنع لإنتاج الحزن، ومُولِّد دائم لكآبة المجتمع اليمني وبؤسه . يمكننا الحديث بالطبع عن دكتاتورية الأب أو العائلة أو الدين، ولكن سنركز هنا على الحوثي قائد الهاشميه السياسيه الذي جمع كل ما سبق ويحتويه ويولّده ويعزز حضوره.

فما تفعله سلطه الحوثي السلالية هو أنها تمنع اليمنيين من تحقيق قدراتهم، ومن التعبير عن إحاسيسهم ومشاعرهم علنًا، وتمنع أجسادهم من التعبير عن قواها وقدراتها ورغباتها. التعبير عن المشاعر يُصبح خطرًا، والجسد يُصبح مكبلًا بمخاوفه من الداخل، ومراقِبًا دائمًا لحركاتة وإشاراته وتحولاته وكلماته. وانعدام التعبير يرتدّ حصرًا وكبتًا وانكفاءً نحو الذات. وهذه الأشياء مجتمعة، عندما تحصل لجسد الإنسان اليمني تجعل منه كائنًا أقلّ قدرة على المتعة في الحياة، أقل قدرة على الفرح، فالفرح هو بالضبط قدرة الجسد على إطلاق طاقاته. وليس انعدام القدرة على الفرح إلا انكماشًا للذات على نفسها، وبناء قدرة مضادة على الحزن، تبدأ كردة فعل على انعدام الفرح، وتتحول إلى نمط حياة وعيش في الحزن والقلّة والكآبة.

تراثنا العريق، تحت حكم السلطة السلالية خلال الف عام وحتۍ اليوم، هو تراث الحزن، أغانينا الشعبية وغير الشعبية تحولت الي زوامل حزن ، أشعارنا وأمثالنا وحكاياتنا، وبطولاتنا، الموسيقى التي نطرب لسماعها (العود لتمثيل الحزن فنًّا). علاقاتنا غالبًا ما تأخذ طابعًا تراجيديًا، تعلّق الأمّ بأطفالها له طابع تراجيدي، تعلّق الأبناء بآبائهم وأمهاتهم يأخذ طابعًا تراجيديًا، العلاقات العاطفية والزوجية تأخذ طابعًا تراجيديًا، بل إن العلاقات الأكثر متانة وحميمية تصبح علاقات الذين يفهمون أحزان بعضهم ويتشاركون الحزن.

المجتمع اليمني تحت سلطه السلالة الحوثية اصبح يقدّس الحزن ويخاف الفرح ويتعوذ منه مع كل ضحكة. الحزن هو الأرضية، هو الفضاء الواسع، وليس الفرح إلا سُحبًا عابرة في ذلك الفضاء الواسع للحزن.

لكن الوجه الآخر للحزن والمتشابك معه بقوة هو العنف. فلطالما المجتمع اليمني حزين بالضرورة ان يكون مجتمع عنيف ، وتميل نحو العنف في كل سلوك يومي أو تفاعل ناشئ بين أفراده أو جماعاتة سواء كان العنف الذي تحتاجه ضد ذاتك من أجل القبول والرضوخ والصمت، أو العنف الذي تحتاجه ضد الآخر في حال الاختلاف والتمرّد والثورة. وأما عنف الدولة الذي سمّاه ماكس فيبر عنفًا شرعيًا، فهو لا ينطبق على سلطة المليشيا الحوثية، لأنه عنف احتلال داخلي لا يخضع لدستور ولالقانون يسود . لم يوقع أحد من الأفراد العقد الاجتماعي مع السلطة الحوثية، ولم ينتخبها أحد ولم يخترها أحد من بين متنافسين أحرار. ومن جهتها، لم تستشر السلطة أحدًا عند قدومها واستيلائها وبقائها في السلطة، بل حصلت على السلطة بالقوة المسلّحة والفرض، ولذلك لا شيء شرعيًا في عنفها.

لكن العنف الذي بدأ في السلطة المليشاويه الحوثية ، يتسلسل جذموريًا في كل شيء، وفي كل مجال اجتماعي. عنف في العلاقات العائلية، في علاقات الرجل بالمرأة، الكبار بالصغار، المديرين بالموظفين، الشرطة بالشعب، الأساتذة بالطلاب، المؤسسات مع بعضها، ضد بعضها، عنف في علاقات العمل، عنف في الكلام، في إشارات الجسد وتحركاتة، عنفٌ حتى في نشرات الأخبار الحوثية التي تكذب وتفرض كذبها كقوة رسمية معتمدة ورمزية سائدة.

والعنف ليس بالضرورة أن يكون مباشرًا وفيزيائيًا، بالرغم من أنه يقوم بالأصل على العنف الفيزيائي الجسدي. ولذلك قد يصبح شعورًا دائمًا بالتهديد، فعندما يطلب المسلح الحوثي أو حاجز أمني هويتك، فإن طلبه قد لا يتحوّل إلى عنف فيزيائي أو اعتقال على الإطلاق، ولكن شعورك بالتهديد والخوف واحتمال العنف الجسدي سيبقى حاضرًا، لأن كل شيء تعسّفي في سلطة المليشيا الحوثية الأنظمة ، غير الشرعية. والعنف بهذا المعنى هو عنف مالئ للأجواء، حيث إن عيشك الدائم في محاولات تجنّب العنف، وعدم التعرض له، هو بحد ذاته عنف، فتجنّب العنف هو نتيجة لعنف أصلي ممارس ضدك، ولو لم تره عيناك، فعقلك يتوقعة ويتحاشاه وقلبك يرتعب منه.

قد يظن المرء؛ إذا كان هيغليًا، أن سلطة المليشيا الحوثية الاجرامية هي الوحيده الحرّه في مناطق سيطرتها، ويعيش فيها الجميع مكبلين بقيودهم، فحرية المليشيا مثل حرية الإله في العالم، يثيب ويعاقب ولا يُسأل عمّا يفعل. ولكن لا. لا يقلل الظلم من إنسانية المظلوم ويُفقرها فحسب، بل يُفقر إنسانية الظالم أيضًا، ويجعله عبدًا للظلمه بالذات، يجعله غير قادر على تطوير أي مشاعر أو تفاعل أو مشاركة بشرية صادقة مع الآخرين، يجعله خائفًا ممن يحكمهم، غير قادر على الثقة بأحد. وأما قوة الحوثي ، فهي ليست قوة بالمعنى الحقيقي، بل ردّة فعل على الضعف، هي قوة خاصة بمريض إنها القوة كما يتصورها مريض.

ليس الحزن خاصًا بالحوثي ، ولكن الحوثي خاص بإنتاج الحزن.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى