كتّاب

المصريون حين يغنون للورود والأزهار:…


المصريون حين يغنون للورود والأزهار:
يحتفل المصريون بشم النسيم، أحد أعيادنا العتيقة، ولقد عاصرت كيف كنا نحتفل صغارا وكبارا بشم النسيم فنشترى الفسيخ والسردين والرنجة والبيض والبصل والخس ونسهر مع أطفالنا للإبداع فى تلوين البيض وكتابة اسماء الصبيان والبنات، وننطلق مع الصباح إلى الغيطان وشاطئ الترعة ونسعد طيلة النهار، ولا أعرف ماذا يزعج المتطرفين فيناصبوا هذه الاحتفالات العداء ويتهموننا حين نحتفل بالكفر.
ولا أحد يعرف على وجه اليقين متى ابتدأ اهتمام وحفاوة المصريين بالورود والأزهار، ولكن الأكيد أن مصر الزراعية عندما “نزلت من بطن أمها” كانت فى يدها اليمنى زهرة اللوتس، وفى يدها اليسرى زهرة البردى.
فهذا ماتقوله لنا دفنات البشر فى أقدم العصور الحجرية المصرية، كما وجدت فى أقدم النقوش، حتى قبل معرفة واكتشاف الكتابة، وبعدها استقرت هاتين الزهرتين، كشعارات وطواطم مقدسة، اللوتس للجنوب، والبردى للشمال، ينقشان متعانقان ومعقودان على جميع الكراسى والعروش الملكية، بل وأصبح من الشرعى أن يشمل أحد القاب الملك الخمسة الرئيسية لقب “نسوبيتي” ينتهى بنسبه إلى الزهرتين المقدستين، اللوتس والبردى.
بعدها أصبح حمل الورود والأزهار والتزين بها وشمها منظرا مألوفا فى النقوش الفرعونية، كما عرف المصريون القدماء إهداء الزهور لأطفالهم وحبيباتهم وزوجاتهم وأمهاتهم، وتقديمها كباقة فى المناسبات المختلفة، كما كانت مكونا رئيسيا من مكونات القرابين، كما كانت تلعب دورا كبيرا فى تحديد زمن وفاة الميت حيث كان يضفر على صدره بعض أعواد الزهور ومن خلال معرفة موسم تفتح تلك الزهور يمكننا معرفة وقت الموت، ويضيق المقام عن استعراض تطور علاقتنا بالزهور، وتحفظ لنا النقوش الفرعونية نص أغنية عاطفية تقول: ” أشكو إلى الليل ونور الصباح / من لون الورد بلون الجراح/.فاصبح قلبى راقصا مثل ريشة/ هائمة فى مهب الرياح”
المهم أن المصريون المحدثين استمروا على عادة أسلافهم فى حب الزهور والورود والحفاوة بها، ولاشك أن أغلبنا – بنين وبنات- قد أحتفظ بأول وردة اهديت إليه من حبيبه زمنا طويلا بعد أن جففها بين دفتي كتاب، ولذلك فقد سمى المصريين بناتهم بأسماء الزهور مثل” فلة ووردة وزهرة ونوارة ونرجس وياسمين وسوسن وسوسنة ولوتس وتمر حنة وعبير وأريج وروايح
ولأن الغناء يمثل ركنا أساسيا من أركان الوجدان، والذوق والثقافة المصرية فكما غنى المصريون لمختلف مواسمهم وانشطتهم ومناسباتهم فقد غنوا للورود والأزهار، وراحوا يشبهون المستحب من الحبيبة ببعض الزهور والوانها واجزاءها، فالرشيقة هى “عود قرنفل” وخدها” وردة” كما استخدم الوان الورد للتعبير عن حالات الحب المختلفة، فالابيض للصفاء، والاصفر للسقم من شدة الوجد والغيرة، والأحمر للتوهج وشدة العشق والهوى.
ولا أظن ان فنانا مصريا قد تجاهل الغناء للورد والتغنى بالازهار وستكون البداية كما تعودت مع العظيم سيد درويش الذى يجمع بافة جميلة من الزهور” ياورد على فل وياسمين الله عليك ياتمر حنه/قرب هنا تعا عندنا خد وردة يابيه خدى فله ياهانم/وحياة ابوك ماتكسفنى دا انا اسمى نرجس/ والله ان ما كنت تنفعنى لاصرخ واقول راجل مفلس”
وفى موشح رائع يقول” ياللى تحب الورد، الورد هجرته ليه/ دا لونه لون خدك وغصونه من قدك/ احمل نسيم ودك وانا مثال ندك/ياحبيبى يوم زرنى لو كنت تنظرنى/تبكى وتعذرنى/اوفى وصون العهد ياللى تحب الورد الورد هجرته ليه”
وللنوار مكانة خاصة عند الفلاحين فالنوارة هى الزهرة التى تسبق تكون الثمرة ولذلك غنت المجموعة من كلمات “قاعود” ولحن مكاوى:”اتقل فوق عيدانك واكتر يازرع الشراقى دانهارك منور يا اخضر والخير ف اللي ساقى/نوار الحنان خبيته من خوفي علي بكفوفى/والعود الجميل حبيته واليوم التلاقي ياعينى” كما يقول جاهين:”ثوار ثوار ولآخر مدى ثوار/مطرح ما نمشي يفتح النوار ننهض في كل صباح بحلم جديد” – وهاهو عبد الوهاب فى واحدة من روائعه “ياورد مين يشتريك وللحبيب يهديك، يهدى اليك الأمل والهوى والقبل/ أبيض غار النهار منه خجول محتار/باسه الندى ف خده غارت عليه الأطيار/راح للنسيم واشتكى جرح خدوده وبكى/افدى الخدود التى تشرب من مهجتى..ياورد”، كما يغنى” علشان الشوك اللى فى الورد بحب الورد واتمنى جرحه وتعذيبه/ وان عشق القلب يهون الجرح مادام الجرح يقدر يواسى عطف حبيبه”ويغنى:”ياوردة الحب الصافى تسلم ايدين اللى رواكى” وفى بلبل حيران:”قاله يا سوسن ياتمر حنة/ياورد أحسن من ورد جنة/مين بالفرح لونك مين ومن الشفق كونك مين/ياريحة الحبايب ياخد الملاح لشوكة جمالك وضعت السلاح”
اما ليلى مراد ففى واحدة من روائع العبقرى القصبجى، تغنى” مين يشترى الورد منى وانا بانادى واغنى/دى ورده بيضه صفو الوداد فيها/ودى وردة صفرا الغيرة تضنيها/ودى وردة حمرا بالدمع ارويها/الوردة دى سر غرامى حكيتلها عن احلامى..خدها منى”
أما ام كلثوم فقد ساهمت فى مهرجان الورد المصرى، برائعة الورد جميل لبيرم التونسى ولحن الشيخ زكريا احمد” الورد جميل وله اوراق عليها دليل من الاشواق/شوف الزهور واتعلم بين الحبايب تعرف تتكلم/..والنرجس مال يمين وشمال/على الاغصان بتيه ودلال/عيونه تقول معانا عزول/خلينا بعيد عن العزال”، وتقول لرامى:”ياليتنى زهرة تساقت مع الندى قبلة الحبيب” كما تغنى:”غنى الربيع بلسان الطير رد النسيم بين الأغصان/والفجر قال يا صباح الخير ياصحبة الورد النعسان”
اما العملاق “صالح عبد الحى” بكلمات بيرم التونسى فقد امسك بجوهر التناقض بين البهجة والحزن، كما يعبر عنها زهر البنفسج” ليه يا بنفسج بتبهج وانت زهر حزين/والعين تتابعك وطابعك محتشم ورزين/حسنك بكونك بلونك تبهج المقهور/اللى يضيره ضميره بالظلام مغمور/حطوك خميلة جميلة فوق صدور الغيد/تسمع وتسرق ياازرق همسة التنهيد”
اما اسمهان فتغنى ومن تلحين اخيها فريد الاطرش”يابدع الورد ياجمال الورد/ من سحر الوصف قالوه ع الخد الورد ياجماله/الاحمر من بدعه وجد وهيام الطف يالطيف/ والاصفر من ريحته غيرة والام ارحم يارئيف/ والابيض دا العفه ريحه وغرام اقطف ياشريف/ رسول العشاق سمير المشتاق/الورد ياجماله”
اما داوود حسنى فى موشحه الرائع فيعلن عن حيرته” على خده يا ناس ميت وردة/قاعدين حراس دى مناهدة/ ومنين ينباس يا اخى دهده”
اما محمد فوزى فيشبه السيدات بالزهور “حاكم الزهور زي الستات لكل لون معنى ومغنى” ويقول” اجمل هدية اقدمها لبنات بلدى/ اقطفها من جنتك يارود يابلدى/ احمر ف يوم حرقتى ابيض فى يوم سعدى/ اصفر من الغيرة على سبب وعدى”
ويغنى عبد العزيز محمود”يا مزوق يا ورد ف عود والعود استوى/والكحل ف عنيك السود جلاب الهوى” ويغني كارم محمود :” يا بتاع الياسمين مين يندهلك مين واحنا معانا الفل” وتغنى شادية:”الورد ده وردهم والشوك هاتوه ليا/أنا رويته لهم بدموعى وعنيا” وتغنى نجاة:ع اليادى يا شفنا فى عيون حلوين حكايات القلب القلب المسكين/أولها ورد وياسمين وآخرها انجرح الياسمين/لا العاشق مرتاح ولا الخالى مرتاح”
ويغنى فريد:نورا نورا يانورا يا وردة نادية ف بنورة:
ويغنى عبد الحليم للقرنفل: مين اللى زيه فى ضحكته محلا عبيره وصحبته/ازهاره زى الكاس تسكر عيون الناس”Lساكن منصان فوق الاغصان ساحر فتان صاحى ونعسان
ويغنى محمد الكحلاوى وهو متوجه لزيارة الرسول(ص):”الورد كان شوك وفتح لما جينالك/هانت بلادنا وهان الغالى على شانك”
ولا يمكن ان ينتهى هذا الحديث المختصر عن الزهور دون الإشارة للسندريلا الراحلة سعاد حسنى من كلمات العبقرى الراحل أيضا صلاح جاهين، وهى تملا الدنيا بهجة” الورد مفتح شوفوا شوفوا بيرقص ويدارى كسوفه واللي يحب النبى يا اخوانا ع الواحدة يسقف بكفوفه/ الدنيا ربيع والجو بديع/قفلى على كل المواضيع”
ولكن قاتل الله المواضيع التى لا نستطيع تقفيلها
كل سنة وانتوا طيبيبن
يسعد أوقاتكم

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى