الأقيال

الـعليـمي (سـر القـدر) ومـسيـرة الـزمـن…


الـعليـمي (سـر القـدر) ومـسيـرة الـزمـن

مـصـطـفــۍ مـحـمـود

احدثت المليشيا الحوثيه تصدع مأساوي وانهارت الدولة بين ليلة وضحاها. الأمر الذي يشير إلى ديناميكية التحلل السريع في البنية السياسية للدولة مع كل “تجريب” خشن في البدائل. إلا أن الشرعيه اليمنيه ظلت متماسكة نسبيا. مما يعني وجود آلية وتقاليد ذاتية محكومة بفكرة الدولة وجوهريتها بالنسبة للكينونة اليمنيه . وهي كينونة لها تاريخها الذاتي، المستمد من الحضاره السبئيه والدوله الحميريه. التي جعلت من تاريخ اليمن وثقافة الدولة اليمنيه رغم كل انحرافاتها وانكساراتها ، وحدة واحدة ومتراكمة بمعايير “الفكرة اليمنيه ” والدولة والأمة.

وفي هذا يكمن أيضا سر بروز الشخصيات المدمرة والمعمرة، أو ما يمكن دعوته بثنائية الخراب والبناء المميزة للتاريخ اليمني السياسي والحكومي. وهي حالة لم تنته لحد الآن، رغم أن بعض معالم الخروج من هذه الدورة المغلقة قد أخذت بالبروز فيما يمكن دعوته (بالرشاديه) رغم كل المعوقات ولم يتمكن بعد من زمام قوة عسكريه أو تأسيس نظري يناسبها.
والسبب يكمن أولا وقبل كل شيء في أن الرئيس رشاد العليمي يمثل مرحلة انتقال تاريخية كبرى لم يجر تجاوز عقباتها الكبرى، بمعنى أنها لم تذب بعد في منظومة مرجعيات مجمع عليها ومؤثرة في الوعي الفردي والجماعي والقومي والوطني… من هنا تبرز إشكالية شخصية العليمي التي وجدت تعبيرها الأول وما يزال السؤال في الصحافه الامريكه والاوروبيه بعد صعود نجمه رئيسا للجمهوريه والقائل “من هو العليمي ؟”

يعكس هذا السؤال من حيث الجوهر التساؤل الأوربي والأمريكي عن ماهية وآفاق السياسة اليمنيه الداخلية والخارجية أكثر مما يعكس السؤال عن العليمي كما هو. فالمعلومات العامة والخاصة عنه في متناول الجميع. ولا تحتوي من حيث الجوهر على طابع معقد ودرامي. ويمكن اختصارها بما يلي: الانتقال من ضابط شرطه عادي إلى ضابط شرطه غير عادي، أي من ضابط في البحث الجنائي الۍ مديرعام الشئون القانونيه بوزارة الداخليه الي رئيس مصلحه الهجره والجوازات الي مديرعام الشئون القانونيه مره ثانيه في وزارة الداخليه.الي مدير امن محافظه تعز.الي وزيرا للداخليه الي نائب رئيس الوزراء وزيرا للداخليه الي نائب رئيس الوزراء لشؤن الدفاع والامن وزيرا للاداره المحليه بعدها رئيسا للدوله خلفا للرئيس هادي

وقد كان هذا الاختيار بحد ذاته وما يزال أقرب إلى اللغز التاريخي منه إلى لغز سياسي. فإذا كان اللغز السياسي للشخصية جزء من قدر الأفراد ومصائرهم الشخصية، فأن اللغز التاريخي هو جزء من مصير الدولة والأمة… وفيما لو نظرنا إلى هذه القضية ضمن سياق التقاليد السياسية اليمنيه ، فأنها لا تخلو من غرابة، بمعنى الحالة التي جعلت من شخصية عادية بمعايير الحزبية والقبليه والمناطقيه والمجتمعيه وبيروقراطيتها، و”التمرد الديمقراطي” أن تصبح “مصيرية” بالنسبة لليمن .

لكن الأمر يختلف حالما نضعها ضمن “تاريخ المفاجئات” الذي لا يخلو تاريخ الأمم منها. فقد تحول نابليون بونابرت من ضابط عسكري عادي إلى إمبراطور أوربا “الراديكالي”. والشيء نفسه يمكن قوله عن التاريخ السياسي اليمني . فقد كانت الرئاسه مغلقة أمام “الغرباء”، ولم يرتقي إلى مصاف التأثير المباشر وغير المباشر على الرئاسه إلا رشاد العليمي . وهو اسم كما تقول العرب على مسمى. إذ يعني الطريق المنحرف. تماما كما أن «رشـــاد» يعني الطريق (المستقيم).

إن الأسماء دون شك تترك أثرها في الأبعاد السحيقة للشخصية لكنها لا تحدد مصيرهم ولا أثرهم الممكن في الوجود. وبالتالي، فإن الأبعاد الميتافيزيقية للأسماء تظهر بما يتناسب وأفعالها. والأخيرة جزء من تاريخ الأمم الفعلي. وقد عرف التاريخ اليمني ما بعد الثورتين سبتمبر واكتوبر مفاجئات محيرة للنخبة السياسية. فقد كان السلال عسكري ـ قحطان الشعبي عسكري ـ الارياني قاضي تعليم شرعي ـ سالم ربيع علي عسكري ـ ابراهيم الحمدي عسكري ـ علي ناصر محمد عسكري ـ الغشمي عسكري ـ عبدالفتاح اسماعيل مثقف.واديب وسياسي ـ علي سالم البيض عسكري ـ علي عبدالله صالح عسكري ـ عبدربه منصور هادي عسكري «رشاد العليمي.. عالم اجتماع) وجميعهم كانوا من أطراف نائية عن المركز، أي ليس أي منهم من أصول مدنيه كما هو الحال بالنسبة للعليمي ). ترعرع في المدنيه وللمدينة أثرها في الشخصية، لا يقل عن أثر المهنة. ومنهما في الغالب تتشكل، إضافة إلى معالم الغيب الغريبة في أجنة المرء، الشخصية الفعلية للمرء.

فالأصول العائلية للعليمي فلاحية أيضا. لكنه نشأ في المدينه ..(مدني ) المنشأ والتربية، وعنصر. متخصص في أجهزة الشرطه . وللأجهزة الأمنية في التاريخ اليمني مكانتها الخاصة في الدولة، كما أن لها أثرها في بلورة الشخصية السياسية. وذلك لأن الفكرة الجوهرية فيها هي (أمن الدولة وليس السلطة) رغم ترابط الاثنين… والعليمي هو سليل هذه البنية والعقيدة الحكومية والدولتية

ومهما يكن من أمر صعود العليمي المفاجئ إلى هرم السلطة السياسية، فإن هذه القضية تبقى خاضعة للتأويل السياسي المحترف و للتاريخ السياسي اليمني ما بعد المرحلة الحوثيه وسلطات الأمر الواقع وبالأخص ما يتعلق منه بفكرة الدولة والنظام السياسي، وقضايا الوطنيه والقومية والأمة في اليمن وإشكاليات البدائل والمستقبل. بعبارة أخرى، إن الإشكالية النظرية لشخصية العليمي هي إشكالية القضية المثيرة عن دور الفرد في التاريخ.

وعموما أن تاريخ الفكرة السياسية اليمنيه يترنح بين نفسية التقاليد القبليه والعسكريه ، التي جرى رفعها إلى مصاف المرجعية الكبرى الذائبة في الوعي والوجود اليمني والخصوصية اليمنيه ، وتقاليد الإرادة المتهورة. فالرئيس هنا يفعل ما يشاء بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي الجمهوري الديمقراطي وهي سمة أشار إليها الكثير من الكتاب اليمنيين والاجانب ذوي التفكير النقدي العميق المتعلق بما أسموه بالخصوصية اليمنيه … وقد وقف العليمي أمام هذه الإشكالية، كما انه نتاجها في الوقت نفسه. فقد كشف العليمي عن شخصية يمنيه دولتية قويه.. حدد بدوره مهمة وضرورة بلورة العقيدة السياسية والوطنية للدولة.

أن وقائع الأحداث تشير إلى ان العليمي تربع على هرم السلطة في إحدى اشد المراحل قسوة، وإحدى اشد الحالات التي يرثى لها. فقد واجه في آن واحد تفكك مادي ومعنوي وتسيب في كل شيء، وانهيار كبير في السياسيه والمجتمع والاقتصاد و الصناعة والزراعة والعلم والتعليم وووولخ

إن السؤال عن ماهية العليمي هو السؤال عن ماهية اليمن المستقبلية. ومن ثم يعكس إشكالية الزمن والتاريخ التي تقتف اليمن أمامها. اخيرا ً. نقول لكل محبي الرئيس رشاد العليمي. ( الجمال ليس خاصيه في ذات الاشياء. )ولكن ( في العقل الذي يتأملها).

يتبع..

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى