العلم والعلوم والعلماء (١)…


العلم والعلوم والعلماء (١)

مصدر هذه الكلمات هو ‘عَلِم’. و عَلِم فلان بالشيئ أي صار يعرفه. فى المفاهيم المعاصرة إكتسبت هذه المصطلحات معانى واضحة ومحددة، وهي موضوع هذا التعليق وتعليقات أخرى لاحقة.

فى قديم الزمان كان إكتساب المعرفة وتنميتها مبادرة شخصية بحتة، ولم يكن يقدر عليها سوى أشخاص ذوى قدرات ذهنية فذة، مثل أمحتب و فيثاغورث وجاليليو. لكن المجتمع البشري أدرك منذ زمن أن من مصلحته جعل قدر من المعرفة متاحاً على نطاق واسع حتى يتمكن الناس من تبادل المعلومات وتسجيلها، و من توثيق التعاملات بينهم وتنظيمها. و هكذا ظهرت المدارس.

أما فى مجال الحرف، فكان التعليم يتم على طريقة ‘الأسطى’ و ‘الصبي’ (master-apprentice)، حيث كان ‘الصبي’ يساعد ‘الأسطى’ ويتعلم منه مباشرة، إلى أن تنضج قدراته ويستقل عن معلمه عندما يثق الزبائن فى قدراته و يعتبرونه ‘أسطى’ فى حد ذاته. مع الزمن أصبحت بعض الحرف، مثل الهندسة والطب والقانون، بالغة التعقيد و تحتاج إلى قدر كبير من التدريب المنظم. عند ذلك ظهرت لهذه المهن مدارس عليا سميت ‘معاهد’ أو ‘جامعات’. المتخرجون من تلك المدارس العليا هم فى العادة نخبة المجتمع. لكن حتى من بين تلك النخبة تميزت نخبة أخرى قادرة على توسيع المعارف، وتطويرها. وهم من نسميهم علماء، أو بالأصح – مشاريع علماء.

نميز فى هذ المجال، (مجال الدراسات العليا،) بين مرحلتين – مرحلة الإستيعاب، ومرحلة البحث والإضافة. فى مرحلة الإستيعاب يثبت الطالب قدرته على إستيعاب ما أنجزه السابقون، و على إستعمال تلك الإنجازات بمهارة و كفاءة. تهب الجامعات لهذا الدارس درجة ماچستير أو (Master)، وهي تعنى تقريباً لقب ‘أسطى’ الذى ذكرته مسبقاً، إشارة إلى أنه أتقن الحرفة إلى درجة تعلو على المعتاد وتميزه عن زملائه وأقرانه.

فى المرحلة الأخرى (مرحلة البحث والإضافة) يثبت الدارس قدرته على تعدى مجرد الإستيعاب إلى إظهار القدرة على الإضافة. قد تأتى الإضافة فى صورة إبتكار جديد، أو تعديل لنظرية سابقة، أو حتى فى صورة نفي لأبحاث سابقة. بهذا يثبت الدارس قدرته على الفكر العلمي المستقل، وتمنحه الجامعة لقب ‘دكتور’، ويصبح عالِماً فى حد ذاته وقادراً على الإشراف على نشاطات جيل جديد من الباحثين.

هذا تصنيف موجز لمراحل التعليم والبحث العلمي ودرجاتهم.

ينص القانون الثانى للديناميكا الحرارية على حتمية التحلل والتسيب مع مضي الزمن. لذلك نرى بعض الجامعات فى العالم الثالث، و أحيانا فى الولايات المتحدة، تحيد عن هذا النظام بدوافع تتراوح بين شحة الموارد والطمع، وفى هذا ضرر كبير للمنظومة العلمية وللمجتمع عموماً.

لم أتحدث بعد عن تصنيف المعارف ولا حتى عن تعريف العلم والعلماء، وهذه موضوعات شيقة تحتاج إلى تعليقات أخرى.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version