توعية وتثقيف

العبادات (Cults)…


العبادات (Cults)

ربما أهم آثار الرئيس السابق ترامپ هو إنجاز لم يكن يقصده، ألا وهو تسليط الضوء على عملية نشوء العبادات (cults) فى المجتمع البشري. ها هو شخص متواضع القدرات، ليس له معجزات ولا كرامات؛ لا هو يمشى على الماء، ولا هو يطير فى السماء؛ لا هو يشفى المرضى، ولا هو يطوف على نسائه فى نفس الليله (*). ومع ذلك يصطف وراءه ٧٥ مليون من البشر (**)، يصدقون أي شيئ يقوله، ولا يطلبون منه برهاناً على أي زعم يزعمه. بل أن كثيرون منهم مستعدون أن يموتوا فى سبيله. كيف ذلك؟

ليس كل هؤلاء جهلة أو بسطاء. كثيرون منهم متعلمون، والبعض لديهم درجات عليا. ما الذى يجعلهم فرائس سهلة لعملية نصب فجة إلى درجة اللامعقوليه؟ نحن نفهم كيف حدث ذلك فى عصور لم يكن فيها إعلام ولا تعليم، وكان الناس ينطلى عليهم السحر و الدجل. أما الآن فالناس يعرفون كل شيئ، فلماذا ما زالوا يقعون فى الفخ؟

يشكل المُتدينون أكبر قطاع من أنصار ترامپ. والتركيبة العقلية للمتدين تسمح بما يسمى “التعليب” أو (compartmentalization)، وهي عملية تمكن صاحبها من إستيعاب المتناقضات بوضعها فى “خانات (compartments)” فكرية تفصل بينها حواجز صماء. هم يعرفون أن ترامپ رجل نصّاب كذاب؛ وفى نفس الوقت يؤمنون أنه المُخلّصٌ الذى أرسله الله لإنقاذ أمريكا. هم يؤمنون بفكرة المساواة والإخاء، وفى نفس الوقت يتبعون رجلاً يجاهر بكراهيته للسود والمكسيكيين والمسلمين. هم يتشدقون بالطهارة والعفة؛ وفى نفس الوقت يتقبلون الفسق والعهر من معبودهم.

هذا قطاع من الأتباع. القطاع الآخر هم الأشخاص الذين لمس ترامپ وتراً حساساً فى نفسياتهم. فى أغلب الحالات هذا الوتر هو نوع من الكراهية الدفينه – قد تكون كراهية عرقية (للسود أو للمسلمين أو للمكسيكيين أو للصينيين … ) وقد تكون كراهية عقائديه (تجاه الفكر التقدمى، أو النخبة المثقفه، أو الليبراليه، أو بعض المفاهيم التى دُرّبوا على كراهيتها دون فهم، مثل الإشتراكية.)

والوتر الآخر الذى يلمسه مدعى النبوة هو عقدة النقص. الشخص الذى ليست لديه قدرات ولا إنجازات يستجيب لمن يوحى له أنه أسمى من غيره بحكم لونه أو جنسه أو إنتمائه العرقى أو الدينى. وأدعياء النبوة يعرفون ذلك ولا يكفون عن النقر على ذلك الوتر – أنتم الشعب المختار… أنتم خير الأمم … الإستثنائية الأمريكية (American exceptionalism) … القَدَر المبين (manifest destiny) … إلخ.

ربما أهم الأوتار الدفينة التى لمسها ترامب هو وتر ‘الفردوس الضائع’. فقد كان الرخاء فى فترة ما بعد الحرب قد بلغ ذروته، وكان الرجل الأبيض بتعليم متوسط أو حرفة متواضعة قادراً على توفير مستوى معيشة لأسرته لا نظير له فى أي مكان أو زمان آخر (ڤيللا من طابقين، وجراچ به سيارتان … إلخ). ذهب هذا كله مع إنتشار العولمة ونهضة البلدان التى كانت الحرب قد دمرتها. وترك فقدان ذلك الفردوس مرارة لدى قطاع واسع من البيض الذين نشأوا على فكرة أن ذلك الرخاء كان من مستحقاتهم الموروثه.

العبادات (cults) إذاً لا تنشأ نتيجة لظهور نبي له معجزات أو قدرات خارقه، بل هي تظهر نتيجة لإضطراب نفسي جماعي (mass psychosis) له أسبابه. وما يفعله النبي الناجح هو أنه يلمس وتراً حساساً عند هذا الشعب الغاضب أو الخائف أو المحبَط، فيعطيه ملجأً نفسياً وأملاً فى مستقبل مختلف. أما المعجزات والكرامات فيخترعها المؤمنون أنفسهم فيما بعد. أراهن على أنه بعد بضعة عقود (***) ستظهر بين أتباع ترامپ قصص تقول إنه تخرج من الجامعة وعمره سنتان، و أنه قتل ثعباناً وهو فى المهد، وكانت لديه فحولة ٤٠٠٠ رجل؛ وإن ٣ ملوك من الشرق جاؤا لتقديم الهدايا بعد مولده فى بيت الدعارة الذى كان يملكه جده (*4). (OK…, هذه القصة الأخيرة قد تكون صحيحه.)
______________________
*) الوحيدة التى تكلمت عن هذا الموضوع (وهي مومس إسمها Stormy Daniels،) قالت إنه كان “فشنك.”
**) هذا العدد يفوق مجموع من تبعوا (فى البداية) كل الأنبياء والرسل الذين سبقوا ترامپ على مدى التاريخ.
***) يستغرق هذا عادة ما بين ٥٠ و ١٥٠ سنه بعد الأحداث
*4) كان جد ترامپ مهاجراً ألمانياً كوّن ثروته من تشغيل بيت دعارة فى ولاية ألاسكا.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Farid Matta فريد متا

كاتب ادبي

‫14 تعليقات

  1. مقال فريد من استاذ ومعلم ايضا فريد👌
    وهذا النبي يستعد لإطلاق منصته الخاصة برسالته ويقال انه اليوم يسيطر علي الحزب الجمهوري استعدادا للجولة القادمة🤔

  2. First time I hear *4) about his grandfather. You covered some of the reasons of his popularity among his followers but there are two or three other reasons as well. The situation in the US is critical and dangerous and requires higher than normal political and cultural understanding but I don’t see on the horizon anybody who can rise to save the future of democracy in America. Enjoyed reading your thoughts as usual.

  3. غنى كل من سيد درويش و من بعده محمد عبد الوهاب و كذلك فيروز
    “خايف أقول إللى ف قلبى”. انا باتكلم عن أغانى، و ما ليش دعوة بحاجة، و ما اعرفكش يا دكتور فريد

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى