كتّاب

السجال حول سن زواج الفتاة فى الأغنية المصرية:…


السجال حول سن زواج الفتاة فى الأغنية المصرية:
لم تحدد الثقافة الاجتماعية المصرية سنا معينا للزواج لا بالنسبة للرجل ولا بالنسبة للفتاة، وإن كان للرجل حد لا يمكن النزول عنه، لانه وظيفيا جزء من عملية الزواج نفسها ونقصد به حد”البلوغ” وعلاماته الخارجية معروفه طبعا وهو ما يعنى تحرك عواطف الرجل وأجهزته الفسيولوجية فى اتجاه الفتاه، ولذلك فقلما نجد نزاعا حول سن زواج الفتى، وكذلك لم تحدد الثقافة سنا معينا لزواج الفتاة، وترك تحديد سنها لمظاهر بلوغها هى الأخرى وللأعراف وللوعى الانسانى،
وانما دارت مساجلات حادة حول شكل الفتاة وحالتها الاجتماعية، وترحب الأُسر المصرية بالزواج من البيضاء الممتلئة، ذات التفاصيل الوافية وكنت اشاهد السيدات يمثلن بأيديهن تفاصيل الفتاة، صدرها وبطنها وأذكر تشبيهات للبطن “كالعجين الخمران” وللسُرة “كالفنجان” ووجهها الدائرى ورجلها التى خرطها الخراط، ورحبت بذات الأنف الصغير والعين الواسعة والشعر الناعم والعنق الطويل، أما إذا كانت من ذوات العيون الخضراء والشعر الأصفر فينبغى أن يحسد الخطيب نفسه عليهما، وتساهلت الثقافة مع كون الفتاة أقصر من الفتى، ولكنها لم تقبل أبدا أن تكون الفتاة أطول من الرجل
أما حول الوضع الاجتماعى للفتاة فقد استنكرت الثقافة الزواج من المطلقة واعتبرت أن معاشرتها لرجل سابق عيبا كبيرا، وانها بمقتضى الثقافة الذكورية التى تجبر الفتاة على الحياة تحت اى ظروف، مسؤلة عن طلاقها بشكل أساسى “خربت البيت”، وأعلت تلك الثقافة من قيمة الفتاة العذراء “بنت بنوت”، ولذلك فتقاليد (الدُخلة) الزفاف تقاليد مرعية ومحترمة فى الثقافة المصرية وهناك صراع حول تحديث موضوع الدخلة وتركه للعريس والعروسة يقررونه بمعرفته هم، وهناك المصرون على شكل “الدُخلة البلدى” رغم فظاظته وفيه ترتيب للحظة الحسم التى تنتظرها أسرتى الفتى والفتاة وكيفيتها وشهودها، ومرورها بسلام حتى تجرى الفتيات حاملات “شاشا” أبيض طائرا ملطخا بالدماء وهن يغنين “الفِلاح الدم ساح” أو “قولوا لأبوها ان كان جعان يتعشى”، ويستقر ذلك الشاش فى عهدة أم الفتاة دليلا على مراعاة التقاليد والشرف والعفة وحسن التربية، ولقد شهدنا تطرفا فى مسألة العفة يجعل المعلم “سلامة” فى فيلم “البوسطجى” يرفض تزويج بنته “جميلة” من “خليل” الشاب المتعلم لمجرد أنها تدرس فى نفس المدرسة مع أخته وربما يكون قد رآها، ويرفض السيد أحمد عبد الجواد فى بين القصرين تزويج ابنته عائشة من محمد كامل ضابط قسم الجمالية مخافة أن يكون قد رآها، فضلا عن أن من يأتيه يأتى ليناسبه هو وليس له أن يختار “عائشة” أو “خديجة”، ودارت حوارات حادة حول فكرة الكفائة الاجتماعية بين الفتى والفتاة
وغالبا تتشدد الأسر الأرستقراطية فى زواج بناتها من الفقراء او ممن يرونهم من فئات أدنى، كما شاهدنا البرنس الملكى فى الأيدى الناعمة، وهو يعتبر أن ابنته ماتت لمجرد زواجها من “أسطى ميكانيكى”.. كما طلب البرنس أيضا فى فيلم “رد قلبى” للجنايني الريس عبد الواحد سراية المجانين لمجرد أنه تجرأ وطلب يد “إنجى” لابنه الضابط “على”، وفى الواقع فقد رفض الشيخ السادات زواج ابنته صفية من صحفى كبير ومرموق هو “على يوسف” ورفع الأمر للقضاء، وربما لبقايا ثقافة ذكورية لا تتشدد نفس الأُسر الأرستقراطية من زواج ابنائها من بنات الفقراء، إلا لو كانت تلك الفتاة تمتهن مهنة غير مناسبة كما حدث فى “غادة الكاميليا” وقد فعلتها السيدة هدى شعراوى الشهيرة واعترضت على زواج ابنها من مغنية،
وفى الغالب فإن العرف يرحب بأن يكون تعليم الرجل ومؤهله الدراسى أعلى من مؤهل الفتاة التى سيتزوجها، وربما ذلك يكون من حزمة القوامة التى ينبغى ان يتمتع بها الرجل
وبينما تقبل الثقافة المصرية على مضض وبصعوبة صغر سن الفتى عن الفتاة، فإنها ترحب بصغر سن الفتاة عن الفتى ولو بسنوات كثار تزيد على العشرين سنة، وكانت أمى رحمها الله تصغر أبى بنحو عشر سنين وفى حالات كثيرة يعد فارق السن الكبير وسيلة للتباهى للرجل والمرأة على السواء.
هكذا ظل كل مايتعلق بالزواج خاضعا للثقافة وللأعراف، حتى جاء وقت التحديث والتقنين فصدر قانون الأحوال الشخصية (25) لسنة 1929، وجائت تبعا له لائحة ترتيب المحاكم الشرعية إذ نصت المادة 99 منها: “لا تسمع دعوى الزوجية إذا كانت سن الزوجة تقل عن 16 سنة”، وبات من الواضح أن القانون قد تدخل لرفض ما هو شرع دينى وعرف فى وقت واحد، وما هو بمثابة ثورة اجتماعية، وأنه سيكون هناك عقاب لمن يتزوج بنت سنها أقل من 16 سنة، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل ألزم الناس بأن يكون عقد القران “كتب الكتاب” أمام مأذون تعينه وزارة الحقانية برتبة “قاضى شرعى”، وهنا كان من الطبيعى أن تثور ثائرة المحافظين والتقليديين والسلفيين ومن لف لفهم، فراحوا يهاجمون القانون ويتهموه – كعادتهم – بالتغريب والعلمانية والتنصل لقيمنا وتقاليدنا الأصيلة وأنه سوف يشجع الفتيات على التحرر والفجور، وكان من الطبيعى أن ينبرى من الفنانين من يكون لسان حال هذا الفريق من المحافظين وللأسف كان هذا الفريق هو: الفذ ملك اللحن الشرقى فى النصف الأول من القرن العشرين الشيخ زكريا أحمد، والفذ أيضا الشيخ يونس القاضى الذى شكلت كلماته وجدان ثورة 1919، والذى كان تركيبة مصرية رائعة فهو أزهرى وساخر وثائر وعميق، يكتب: قوم يا مصرى وبلادى بلادى ويابلح زغلول وانا هويت وانتهيت، ومع هذا يكتب:”ارخى الستارة” و”بعد العشا يحلى الهزار” و” قالتلى روح إسكر وتعالى” و”قعد على كرسى وشخلعته”
المهم كتب يونس ولحن وغنى زكريا بصوته التعبيرى الرائع ما أعتبر رفضا باتا لتحديد سن زواج الفتاة وتدخل القانون فى هذا الشأن: أبوها راضى وانا راضى/ ومالك انت بقى ومالنا ياقاضى
البنت سن تلتاشر والوش قمر اربعتاشر والجسم ماشاءالله راخر مايفوتش من بيت القاضى
البنت يتشوف الزفة تفرح وهى فى اللفة وتقول عريس اختى خفة والوالى عارف والقاضى
وكان من الطبيعى أن ينبرى التقدميين والحداثيين فيغنى لهم: ابراهيم حمودة: “إكتب لنا يا قاضى كتب الكتاب الليلة/ مادام أبوها راضى وراضية كل العيلة .. اكتب لنا قاضى
يسعد أوقاتكم

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى