توعية وتثقيف

الديموقراطية…


الديموقراطية

الديموقراطية فى جوهرها هي منظومة تكفل إختيار القيادات بالإنتخاب الحر فى مناخ لا تشوبه قيود على الحريات أو على حق التصويت. هذه هي الفكرة التأسيسية للديموقراطية، وهي فكرة لا غبار عليها من حيث المبدأ. (وإن كانت بعض النواقص تظهر فى التطبيق كما سنرى.)

يمكن أن تتخذ الديموقراطية أشكالاً مختلفة: هناك، مثلاً، النظام ‘الرئاسى’ الذى نراه فى فرنسا و أمريكا، حيث يُنتخب رئيس الدولة إنتخاباً مباشراً و يتمتع بصلاحيات واسعة؛ و هناك النظام ‘البرلمانى’ الذى نراه فى بريطانيا والهند، مثلاً، حيث يحكم الحزب الذى يفوز بأغلبية المقاعد البرلمانية، ويتولى زعيمه رئاسة الوزارة تلقائياً. فى كلتي الحالتين يقال عن النظام إنه ‘نيابي (representative)’، لأن الناس يختارون ممثلين لهم يتخذون القرارات نيابة عنهم. يوجد نوع آخر يعرف بالديموقراطية ‘المباشِرة’، حيث يصوت الناس على القرارات بأنفسهم، ونجد هذا النوع فى سويسرا و أحياناً فى كاليفورنيا ، (لكنه نوع نادر يتطلب قدراً كبيراً من الوعي، ومشكوك فى فعاليته.)

ليس نظام الحكم الديموقراطي (فى أية صورة من صوره) مثالياً أو خالياً من النواقص. حتى فى المجتمعات التى نعتبرها ديمقراطيات ناضجة توجد ممارسات تتنافى مع المبادئ الأساسية للديموقراطية. هناك، على سبيل المثال، ‘المَجمع الإنتخابي (electoral college)’ فى الولايات المتحدة، و أيضاً طريقة إنتخاب مجلس الشيوخ فى نفس البلد، وهي ممارسات لا-ديموقراطية بلا جدال. كذلك يمكن لسياسيين شعبويين أو فاسدين إستغلال نقاط الضعف فى النظام الديموقراطى لتقويضه من الداخل (كما حاول ترامب فى أمريكا مؤخراً، وكما نجح موسولينى وهتلر فى أورپا فى القرن الماضى.)

تحاول الديموقراطيات الناضجة تحصين المنظومة بإتخاذ إجراءات إضافية مثل تحديد مدة الرئاسة، وتوزيع السلطة أفقياً بين فروع متعددة (تشريعية وتنفيذية وقضائية،) و رأسياً بين حكومة مركزية وحكومات محلية. نجحت تلك الضوابط فى إفشال محاولة ترامپ، مثلاً، لكنها لم تنجح فى تفادى الحروب الغير-قانونية فى العراق و غيرها. أي أن تلك الإجراءات مفيدة، لكنها لا تضمن سلامة المنظومة ١٠٠%.

الديموقراطية إذاً ليست نظاماً مثالياً محصناً ضد الفشل و التحايل، وليست لها صيغة واحدة نموذجية. لكن، مع تلك العيوب والنواقص، لا شك فى أنها أفضل من أي نظام بديل نعرفه. (أورد ملخصاً موجزاً للنظم البديلة فى الملحوظة (*) أسفله.) و المنظومة الديموقراطية، إذا صُممت بحكمة وتروي، يمكن أن تحتوى على صمامات أمان تحصنها ضد الإتجاهات الشعبوية والإستبدادية، وتسمح بتطورها مع تطور المجتمع (**).

لكن هناك تساؤل لا يحظى بالإهتمام الذى يستحقه، وهو يتعلق بدور الوعي فى العملية الديموقراطية: “هل يمكن أن ينجح نظام ديموقراطي فى مجتمع متخلف فكرياً و غارق فى الغيبيات؟” ما زال الجدال دائراً حول هذه النقطة … تجربة “الربيع العربي” كانت كارثية، و لا يوجد حتى الآن مثال واحد ناجح يمكن أن نشير إليه. (البعض يشير إلى الهند، لكنها ليست نموذجاً مقْنِعاً.)

السؤال الآخر المهم هو: “هل الديموقراطية هي سبب الرخاء الذى نراه فى أورپا و أمريكا الشمالية؟” هناك من يعتقدون أن الإجابة هي “نعم”، وهناك من يعتقدون أن العكس هو الصحيح – أي أن رخاء تلك المجتمعات، (لأسباب أخرى مثل الثورة الصناعية و الإستعمار و التخلص من سيطرة الدين،) هو الذى مكنها من إرساء نظم ديموقراطية مستقرة.
____________________________________
*) النظم البديلة للديموقراطية:
* النظام الملكي الوراثي، ومنه ٣ أنواع –
– المَلَكية المطلقة، حيث الملك يملك ويحكم، و هو نظام بدائي لا يتقبله فى زمننا إلا المتخلفين، ولا نراه إلا فى أجزاء من الشرق العربي.
– المَلَكية البرلمانية، حيث الملك يشارك فى الحكم مع مؤسسات منتخبة، ، كما نرى فى بعض البلدان العربية الأكثر تقدماً.
– المَلَكية الرمزية، حيث الملك مجرد رمز لا يحكم، و هذه تركيبة لا تتعارض مع الديموقراطية، (وإن كان من غير الواضح ما فائدة المَلِك.) نرى أمثلة لذلك فى بريطانيا وهولندا وسكانديناڤيا.
* نظام الحزب الواحد. هذا النظام يكفل إنتخاب القيادة من بين نخبة غير منتخبة، وملتزمة بعقيدة معينة. (نرى أمثلة لذلك فى الصين وڤييتنام وكوبا.)
* الثيوقراطية، أي حكم رجال الدين. هذا النظام يشبه نظام الحزب الواحد، مع فارق أن الحزب الحاكم هو المؤسسة الدينية.
* الدكتاتورية، ومنها نوعان –
– الدكتاتورية العارية، عندما يمارس الدكتاتور الحكم مستنداً إلى القوة وحدها، وبدون مؤسسات تحد من سلطاته (وهذا نادر فى زمننا.)
– الدكتاتورية المقَنّعة، وهي عندما يسمح الدكتاتور بممارسة بعض مظاهر الديموقراطية مفرغة من محتواها.

**) هذه النقطة قد تكون نظرية أكثر مما هي واقعية: صمامات الأمان التى تعمل لتحصين المنظومة تعمل أيضاً فى الإتجاه المعاكس، أي أنها تجعل أي تغيير شبه مستحيل (كما نرى فى الدستور الأمريكي على سبيل المثال.)

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Farid Matta فريد متا

كاتب ادبي

تعليق واحد

  1. هناك نظاما أخرا من بدائل الديموقراطية وهو الديكتاتورية العسكرية أي الدكتاتورية التي يمارس فيها الجيش سيطرة كاملة أو جوهرية على السلطة السياسية ، وعادة ما يكون الديكتاتور ضابطًا عسكريًا رفيع المستوى كما هو الحال في مصر مثلا منذ ١٩٥٢ و إنقلاب ٢٣ يوليو و كذلك الحال في تشيلي بعد انقلاب أوجوستو پينوشيه

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى