الجنيه والدولار أيام الملك…


الجنيه والدولار أيام الملك

كل سنة فى هذا الموسم يستيقظ الذين يقولون إن الجنيه المصرى كان يساوى ٣ دولار أيام الملك. معظم هؤلاء أشخاص بسطاء لا يعرفون عن ماذا يتحدثون. هذا الرقم فى حد ذاته لا يعنى أي شيئ – لا وقتها ولا الآن. الين اليابانى يساوى أقل من واحد فى المئة من الدولار، ولا يعنى هذا أن الإقتصاد اليابانى أضعف ١٠٠ مرة من الإقتصاد الأمريكى، (بل، بالعكس، هو بالتأكيد أقوى وأرسخ.) الليرة الإيطالية كانت تساوى واحد على ألفين من الدولار، وبين يوم وليلة غيرت إيطاليا العملة، وأصبحت عملتها الجديدة (اليورو) تساوى أكثر من دولار. لم يتغير شيئ فى الإقتصاد الإيطالى خلال تلك الليلة، لكن العملة تحولت من ١:٢٠٠٠ إلى ١:١.

ثمن العملة بالدولار لا يعنى أي شيء. ما هي، إذاً، الأرقام التى تعنى شيئاً؟

أهم الأرقام ذات المعنى هو متوسط الدخل (average income). هذا الرقم هو الدخل القومى مقسوماً على عدد السكان. إذا كان هذا الرقم كبيرا، كان المجتمع فى رخاء، والعكس بالعكس. فى الزمن الذى كان فيه الجنيه المصري يساوى ٣ دولارات، كان متوسط الدخل فى مصر أقل من غانا ونيجيريا وساحل العاج (*)، (وهي دول لم تكن فقط فقيرة، بل من أفقر الفقراء.)

الذين يتحدثون عن سعر الدولار أيام الملك هم فى الغالب لا يفهمون أيضاً معنى تعبير ‘متوسط’ الدخل. معناه أن دخل daddy من العزبة ربما كان بالآلاف، لكن متوسط الدخل فى البلد ككل كان فى الحضيض لأن أغلب الناس كانوا معدمين. لذلك ربما كان daddy و أسرته أغنياء. لكن مصر ككل كانت أفقر من ساحل العاج.

وحتى متوسط الدخل يلزم التعامل معه بفهم وعناية – عندما يقاس الدخل فى كل البلاد بالدولار، يكون هذا مقياساً غير عادل، لأن ما يستطيع الدولار شراءه فى طهنشا غير ما يستطيع الدولار شراءه فى نيويورك. (كما أن سعر عملتك بالدولار يعتمد على عوامل أخرى مثل رضاء أمريكا عن حكومتك … إلخ.) لذلك أدخل الإقتصاديون مفهوم ‘تكافؤ القدرة الشرائية’ (Purchasing-Power Parity).

ما هو تكافؤ القدرة الشرائية؟ إذا كنت (مثلاً) تستطيع فى بلدك أن تعيش بألف جنيه على نفس المستوى الذى تعيش به فى أمريكا بألف دولار، فى هذه الحالة يُعتبر الجنيه مساوياً للدولار من حيث تكافؤ القدرة الشرائية (**) بغض النظر عن سعر السوق وما يفرضه السماسرة والمضاربون.

لكن لماذا يختلف سعر سوق العملة عن سعر تكافؤ القدرة الشرائية؟ هذا موضوع آخر لا أريد الدخول فيه حتى لا أزيد الأمر تعقيداً، وهو معقد من الأصل.

ربما إحتج المختصون على أن هذا المقال يبسط الموضوع إلى درجة غير مقبولة. هذا التعليق لا يخاطب المختصين، بل أولئك الذين لا يمَلّون من تكرار أن الجنيه كان أيام الملك يساوى ٣ دولارات (***)
__________________________________
*) راجع بيانات الأمم المتحدة لعام ١٩٥٠.
**) هناك من سيتصايح “هذه الأرقام غير واقعية!” أولئك لا تصح لهم قراءة هذا التعليق.
***) ما أهمية هذا الأمر أساساً لمن لم يكن لديه أيام الملك لا جنيه ولا دولار؟

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version