كتّابمفكرون

“التنوير، لماذا؟”…


“التنوير، لماذا؟”
المقال الثالث

قد يتصور العامة، أن التنوير هو نوع من الرفاهة الثقافية، يتبناها نخبة من المثقفين، ولكن الحقيقة أن الهوة بين حياة من وصلوا الي ما بعد الحداثة في الأمم الغربية، وحياة عموم الناس في منطقتنا المحيطة، قد اتسعت بالحجم الذي يؤكد أننا في مرحلة خطرة، تلقي بظلالها من خلال التناقضات والصراعات والحروب الأهلية، وإنهيار الإقتصاد والتعليم والثقافة ومعظم مناحي الحياة.

وهذا بالضبط هو ما كان عليه حال الغرب قبل إنطلاق التنويرفي القرن الثامن عشر، وهو يصف قدر الفجوةَ التاريخية الكبيرة التي تفصل الفكر الأوربي عن الفكر العربي، ولا أكون متزيّدا عندما أقول أننا بحاجة للعودة زمنيا الي القرن السادس عشر عندما طرحت إيطاليا أسئلة البداية عن الدين؟ وبداية صراع الأضداد الذي جرى في أوربا بين الفلاسفة ورجال الدين المسيحيين.

لم يخلو تاريخنا من أسئلة مشابهة، طرحها ابن المقفع، والتوحيدي، والرازي، والفارابي، وابن سينا، وابن رشد، والمعري، وسواهم على الدين، ولكن الفارق حدث عندما كان المنتصر دائما هو تيارات الجمود والإنغلاق، والسيطرة المحكمة لرجال الدين، علي الخاصة قبل العامة، شجعها الحكام الذين وظفوا رجال الدين لشرعنة أهدافهم، واستغلها رجال الدين لنيل المزيد من التميّز والسطوة والسيطرة.

قد يسأل البعض، ولماذا نحمّل الدين وحده أسباب التخلف والإنهيار واتساع الفجوة بين الغرب والشرق، وفي هذا فإن العقل العربي خضع وما زال، الي ثنائيات الدين، كالخير والشر، والحلال والحرام، والجنة والنار، .. الخ، ولم يترك له المسافات البينية التي يمكن أن يتحرك من خلالها، حتي أن الفقه رسم وحدد كل تصرفات الإنسان من لحظة ميلاده الي لحظة مماته وما بعدها، وأقنعه أنه بذلك ولديه ما بين يديه ما هو صالح لكل العصور والظروف الزمكانية، فما الحاجة للتطور؟ وهنا يكمن الخطر.

الخطر في أن يقرأ العربي القرآن آلاف المرات، ويترك آلاف الكتب التي تتسع بها مداركه ومعارفه وتطلعه علي العالم حوله، وتوجد تفسيرا لآلاف القضايا المبهمة، التي لا تقبل تسليما بأنها خلقت هكذا، ولا تحتاج الي تفسير، كما علمه رجال الدين.

الخطر في إهمال الإستنارة العقلية، فتبقي العقول ضيّقة، وتبقي الطائفية والمذهبية والعصبية، ويبقي الفكر الأحادي السطحي الممل.

الخطر في مظاهر التراجع والتوتر والتناقض، وهي السمات الأبرز في فكرنا المعاصر، بسبب قصر النفس، وقصور فهم الظواهر التاريخية المركبة، التي تدور من حولنا، فنلجأ الي ظاهرة المؤامرة الكونية الموجهة لنا، حتي نكفي المؤمنين شر التفكير والتعقل وفهم الأشياء علي حقيقتها.

إن انتشار تيارات التطرّف، وتيارات التكفير والعنف في ثقافتنا ومجتمعاتنا، يمنحنا مناسبة تاريخية تلح علينا لأن نبدأ معركة التنوير، والإصلاح الثقافي، والإصلاح الديني وكشف فقر ومحدودية وغربة التفكير التي أنتجت هذه التيارات المدمرة.
ومازال للحديث بقية….
#بالعقل_والهداوة

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Sameer Zain-Elabideen سمير زين العابدين

خريج الكلية الحربية فبراير 1969, أعمل حاليا في النظر حولي وأشياء أخري, عقلي هو إمامي ورئيسي

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى