توعية وتثقيف

البلطجة…


البلطجة

هناك مَثَل أمريكي يقول “What is good for the goose is good for the gander ” وترجمته تقريباً هي: ‘ما يسرى على الوزة يسرى على غيرها من الوز’. قد تبدو الترجمة ركيكة، لكن الأصل أيضاً ركيك: (gander هو ذكر الوز.) على أي حال- لا الترجمة ولا الأصل يعبران جيداً عن المعنى المقصود وهو: “ما يسرى عليا يسرى عليك،” أو، بالعامية، – “ما حدش أحسن من حد”.

عندما يستغل أحدهم قوته ليستثنى نفسه مما يسرى على سائر مخاليق الله، فهذا هو ما نسميه ‘البلطجة’. أي أن البلطجة هي وضع يتمتع فيه طرف قوي بإمتيازات وسلطات لا يستحقها ولا يسمح لغيره بمثلها. (أحياناً يُستعاض عن كلمة ‘بلطجة’ بتعبير أرقى وأخف على الأذن وهو “إزدواجية المعايير”.) عملياً، البلطجة هي التهديد بإستخدام القوة (أو إستخدامها بالفعل، ) لفرض واقع يستبيح فيه البلطجي لنفسه ما لا يجوز لغيره. القوة قد تكون قوة جسدية أو عسكرية أو إقتصادية أو معنوية. البلطجى الذى يستعمل القوة الجسدية هو ‘الفُتوّة’ الذى عرفناه فى الأحياء الشعبية. والبلطجي الذى يستعمل القوة العسكرية أو الإقتصادية يسمى قوة عظمى. أما البلطجي الذى يستعمل القوة المعنوية (الإبتزاز) فربما قابلته فى المدرسة الإبتدائية أو الإعدادية، وهو الولد الذى كان يستحوذ على ساندوتشك لا لسبب سوى أنه يستطيع ذلك.

تحتوى اللغة الإنجليزية على تسميتين للبلطجي – إحداهما ‘bully’ ، وهي تعنى النوع الذى يستخدم الضغط المعنوي (bullying)؛ والأخرى ‘thug’، وهي تشير إلى النوع الذى لا يتورع عن العنف (thuggery).

البلطجى دائما له أتباع يقال لهم ‘قلاضيش”. و البلطجى “المحترم” يأنف من تلويث يديه، فيوكل الأعمال القذرة لقلاضيشه. من أشهر البلطجية فى تاريخ أمريكا بلطجى من شيكاغو كان إسمه آل كاپون (Al Capone). لم يكن أحد يشك فى مسؤولية آل كاپون عن العديد من الجرائم. لكنه كان حريصاً ألا يقترف شخصياً أي شيئ مخالف للقانون. لذلك لم يتمكن البوليس من ملاحقته جنائياً. (فى النهاية تفتق ذهن البوليس عن محاكمة آل كاپون على مخالفة ضرائبية.)

يمكن التمييز بين أنواع مختلفة من البلطجة:
* البلطجة السافرة، وهي عندما يعلم الكل، بما فى ذلك البلطجى نفسه، أنه بلطجي.
* البلطجة العقائدية. وهي عندما يؤمن البلطجي بقدسية أفعاله، ويعتبر أن الغاية تبرر الوسيلة، وأن العنف فى سبيل “الحق” فضيلة. رأينا هذا (مثلاً) فى بلطجة بوناپارت فى سبيل نشر أفكار الثورة الفرنسية النبيلة، وهناك أمثلة أخرى كثيرة، قديمة و معاصرة.
* البلطجة المقَنّعة. وهي عندما يدعى البلطجي أنه “فاتح”، بينما هو فى الحقيقة مجرد بلطجى. عندما جاء ‘المُعِزّ’ إلى مصر بعد أن أخضعها له ‘جَوْهَر (Jawhar)’ الصقلي، جابهه أعيان مصر: “ما حسَبك (authority) وما نسَبك (lineage) حتى تتملك علينا؟” إستل المُعِزّ سيفه و قال”هذا حسبى!” ثم ألقى كيساً من الدنانير على الطاولة وقال: “وهذا نسبى!”
* البلطجة المتعالية. عندما ضيق الغرب الخناق على العراق تمهيداً لغزوه ذهب رئيس وزراء أستراليا مندوباً عنهم ليقدم لصدّام طلبات لا يمكنه قبولها. إعترض صدام بأن كل ما يلومونه عليه يفعله الغرب نفسه وحلفاؤه وعملاؤه (*). رد الأسترالى: لست هنا للحديث عن أفعال الآخرين بل للحديث عن أفعالك أنت. وكان ذلك مثالاً للبلطجة المتعالية، عندما يفرض البلطجي أن بلطجته هو فوق المناقشة.

تزدهر البلطجة عندما يضعف القانون ويحس البلطجي بأنه آمن من العقوبة والعواقب، ونرى أمثلة لذلك فى التوتر الطائفى فى مصر حالياً.

ومن ضمن مساوئ البلطجة أنها تشجع على إنتشار البلطجة. فأحياناً يكون هناك شخص لا يريد البلطجة، لكنه يرى أن الطريقة الوحيدة للتعامل مع البلطجية هي أن يكون بلطجياً مثلهم (ونرى أمثلة لهذا فى الساحة الدولية.)

البلطجة موضوع يمكن أن تُكتب فيه كتب، لكننا قد أطلنا الحديث ونكتفى بهذا القدر.
__________________________
*) لا أقصد هنا الدفاع عن صدام، فهو بدوره كان بلطجياً فجاً.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Farid Matta فريد متا

كاتب ادبي

‫11 تعليقات

  1. قد ايه حديثك ممتع وكتاباتك منظمه ودسمه ومثيره للرغبه في القراءه لمعرفه المزيد من تراثنا القيم الجميل والاستزاده من هذه المعلومات القيمه
    حفظك الله اخي الحبيب دكتور فريد🌹❤️

  2. بوتن ليس بلطجي علي البلطجية امريكا والناتو وانما يحمي ويدافع عن امن روسيا وشعبها .. عمل علي تقوية جيشة ومعداتة وتسليحة واستعد لمواجهة البلطجي العالمي الأكبر وصبيانة …. تحياتي لحضرتك ..

  3. قد استفزني جدا هذا الموضوع ليس منك لكن من تصرفات الفنانين ووسائل الإعلام والفن والتمثيليات والأفلام وأصبح حتى المثقفين يحاولون التشبه بالبلطجة حقيقة غريبة جدا الموسيقى بتاعتهم الفاظهم حركات ايديهم رقصهم إعلانات الشركات تأتى بهم ليستفزونا والحقيقة المرة أن شارعنا أصبح مأوى لهم وإشتهر فى كل مناحي مصر بشارع أجيجا والإسم قديم لمطعم اول الشارع من الشارع الرئيسي الثلاثينى كان كل البلطجية يجتمعون فيه ولما قبض عليهم فى عدة جرائم منها قتل وإختطاف واغتصاب قفل المطعم ولكن الشارع رغم تغيير المطعم إلى
    ” البارودى ورزة ديزاين للموبيليات ”
    فرغم هذا إذا كنت تركب تاكسي او عربة نصف نقل تستخدمها لنقل اغراضك لا تقل شارع إبراهيم شكرى
    لكن قل ” شارع اجيجا ” فيعرفه الجميع

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى