الإعلام (٢): كلنا أسرى للإعلام…


الإعلام (٢): كلنا أسرى للإعلام

يقولون لنا إن الروس قصفوا مسجداً أو كنيسة أو مستشفى أطفال فى أوكرانيا. و أنت لا تستطيع أن تتيقن من صحة الخبر بنفسك، فماذا ستفعل؟ ستصدقه أو لا تصدقه حسب تركيبتك الفكرية والنفسانية. البعض سيصدقونه لأنهم واثقون أن “الأمريكان لا يكذبون.” والبعض سيصدقونه لأن الأمريكان “يعرفون ربنا”. والبعض سيصدقونه لأن الروس قتلوا “الأخوة” فى حلب … وهكذا. أما الذين لن يصدقوا الخبر، فهم سيفعلون ذلك أيضاً لأسباب غير موضوعية – ربما لأنهم يعرفون شخصاً روسياً طيباً. أو لأنهم زاروا روسيا ذات مرة وأعجبتهم … أو … أو …

كل هذه العوامل لا صلة لها بما إذا كان القصف قد حدث فعلاً، وإنما هي عوامل شخصية عند القارئ أو المشاهد أو المستمع تحدد ما إذا كان سيصدق الخبر أو لا. والذى يُصدِّق يقول للآخر : “أنت مغسول الدماغ!” والذى لا يُصدِّق يقول للذى يصدق “أنت مغسول الدماغ!”

أما العاقل فيعرف أن الطرفان كلاهما يكذبان. ليس ذلك لأنهما لا يؤمنان بالوصايا العشر، أو لأن تربيتهما فى المنزل لم تكن جيده، لكن لأن الحرب المعنوية تمثل إحدى المكونات الأساسية للمجهود الحربي. وأحياناً يكسب أحد الطرفين الحرب أو يخسرها بسبب قدرته على التعبئة المعنوية فى الداخل، وعلى إحباط العدو معنوياً وجعله يفقد الرغبة فى القتال، كما شاهدنا فى حرب ڤييتنام.

ذاكرة الناس قصيرة، لكن البعض ربما يذكرون معركة حلب، وكيف كانوا يقولون لنا إن الجيش السوري كان يقتل الآلاف، بل الملايين، من المواطنين الحلبيين المسالمين، وأن الجيش السوري سيحاكَم بعد هزيمته على “جرائم الحرب”. ثم تبين فيما بعد أن كل هذا كان جزءاً من الحرب المعنوية. و أن حلب كانت أسيرة للإرهابيين، وما أن رحل “الأخوة”عنها حتى عادت إلى طبيعتها جزءاً لا يتجزأ من سوريا.

كوننا لا نستطيع أن نعرف الحقيقة الآن لا يعنى أن الحقيقة لا وجود لها. الحقيقة ستتضح فيما بعد كما إتضحت فى حلب. لكنها فى ضباب الحرب المعنوية يصعب تبينها، ويضطر كل منا إلى الإستناد على خلفيته الفكرية والنفسيه. لذا فإتهام من يخالفك فى الرأي بأنه مغسول الدماغ، لا محل له من الإعراب. لا لأنه خطأ، بل لأن الذى يوجه الإتهام هو أيضاً مغسول الدماغ حتى وإن كان لا يعلم.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version