مفكرون

ادفنوا موتاكم ٢…


ادفنوا موتاكم ٢
ماذا يقول الطالب الدارس؟! وهل مسموح له أن يقول أمام البخاري أو الشعراوي وباقي جحافل أصحاب هذه الأقوال المقدسة المنزهة وحدها؟! إن الطالب في ظل هذا المنهج التعليمي لن يفهم أبدًا أن من حقه أن يقول، فهذا شيء عُجاب، وبدعة ما لها في شرعنا من باب. ألا ترون المسلمين في الفضائيات يخاطبون أصحاب القداسة بقولهم: يا شيخنا، ويا مولانا، ويا سيدنا، في اعتراف بائس بأن العبودية كحامل لهذه الثقافة قد ختمت الأرواح بالذلة والمسكنة؟! ألا تسمعونهم يطلبون الفتوى على الملأ في أخص الشئون حتى أدخلوهم معنا في مخادع الزوجية؟!

ألا ترون مدى الصَّغار ومدى التمكُّن من الأرواح والعقول حتى بات الواحد منا لا يخطو خطوة دون أن يعرف فيها رأي مشايخنا؟!

وفي المقابل لا بد أن يستشعر الشيخ أنه شخص استثنائي غير باقي الناس؛ فهو سيدهم، وهو مَن يخطط لهم، وهو مَن يضع لهم القوانين، ويكون له الحق كل الحق من بعد أن يكفِّر هذا ويرضى عن هذا، أن يشكل خطرًا على هذا النظام، وأن يضغط على ذلك الفريق، ومِن ثَمَّ أن يلعب سياسة لأن جمهوره يقدِّسه، وهو الفائز بحول الله.

وكلنا يعلم أن الهدف من إنشاء الأزهر كان هو دعم توجهات الفاطميين بمصر، ومع تغيُّر الأنظمة الحاكمة والمذاهب المسيطرة، تقلب الأزهر في جلسته مع كل جديد على مستوى السلطة، وأثبت أنه يمكنه التغيُّر مع المستجدات، فانتقل من التشيع الفاطمي إلى المذهب السني في نقلة نقيضة بالكلية، ومن بعد ذلك أثبت مرونة مذهلة في التحول والتغير، فكان مع اشتراكية عبد الناصر، ثم مع الانفتاح الاقتصادي، وكان مع الحرب، ثم أصبح مع السلام، وهي مرونة تحسده عليها كل الهيئات الدينية المشابهة في العالم.

لكن عندما يتعلق الأمر بحريات المواطنين أو بحقوق الإنسان الأساسية كحق الحرية وحق الاعتقاد وحق إعلان الرأي، فإن الأزهر كان يتخذ أشد المواقف تزمتًا وانغلاقًا وأصولية شديدة المراس. وهو أمر يؤدي إلى التساؤل عن سرِّ هذه الازدواجية ما بين أزهر مرن قادر على تطوير نفسه وتطويع الإسلام لما هو جديد، وبين وقوفه ضد حقوق المسلمين وحرياتهم الأساسية!

هل كان موضوع مشايخ الأزهر عبْر التاريخ هو استمرار الحظوة السلطانية وهباتها اللدنية فقط؟! هل كان مع ما يريد الحاكم حتى لو قهرًا واستعبادًا، ويصبح ضد شعبه عندما يطلب أن يكون المواطن إنسانًا كبقية الناس في العالم، وإنسانًا كريمًا كرَّمه الله؟!

والملاحظ لتاريخ الأزهر سيكتشف أنه رغم كل ما حصل عليه من قداسة ورفعة، فإنه لم تثبت عليه يومًا اهتمامات وطنية بالمعنى المفهوم من كلمة وطنية، ومن كلمة مواطنة؛ لأن لغته واهتماماته وموضوعاته وتاريخه وكل ما يتعلق بشأنه الدعوي يأخذنا إلى وطنٍ أهم وأقدس من مصرنا، يأخذنا إلى حيث أسيادنا في الحجاز. ولا أتهم الأزهر أنه انشغل يومًا بناسنا الذين هم على مختلف الاصطلاحات؛ غوغاء، رعية، أهل ذمة، أنباط، علوج، موالي، بقدْر ما انشغل بكيف يوجِّه العوام ليدفعوا لله والحاكم خراجهم وجزيتهم، كما لا أتهم الأزهر بأنه حقق سبقًا في ميدان حقوق الإنسان؛ لأنه ضدها حتى الآن، وأكثر ما يحز في نفسي كمسلم أن الأزهر لم يسعَ مرة إلى رقي الأمة، أو دعوتها إلى نقل الحضارة من بلاد المتقدمين إلى بلادنا، حتى بعد أن أدرك مدى تخلُّفه مع مجيء الحملة الفرنسية، ومع ذلك لم يطور الأزهر نفسه، ولأن فاقد الشيء لا يعطيه، فهو ما كان بالأصل قادرًا على تطوير الأمة.


يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

‫10 تعليقات

  1. ‏الطبيب يعالج، العسكري يحارب، المحامي يدافع، والفلاح يزرع… مالذي يفعله رجل الدين ليتربع فوق رؤوس الناس؟!

    – سيد القمني

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى