كتّابمفكرون

“إشكالية الدولة المدنية والنظام”…


“إشكالية الدولة المدنية والنظام”
الدولة المدنية, هو المصطلح التعويضي للدولة العلمانية, بعد أن أساءت الي سمعته تيارات الاسلام السياسي الموالسة, هو في الحقيقة مصطلح فارغ المعني يتيح مساحة ليست بالقليلة من التلاعب والقفز علي مفهوم ومضمون “الدولة الحديثة”, التي يجب أن تقوم علي الدستور الذي وضعه المواطنون, والقانون الذي يحققه والذي ينظم الحياة وتفاصيلها ويعود عليهم بتحقيق مصالحهم العادلة دون أي تفرقة أو استثناء.

اذن فالأصل أن الدستور والقانون هما صناعة بشرية وضعها المواطنون لتجسد القيم الرفيعة للمواطنة والديمقراطية والحرية والتنوع الفكري.
هذه الدولة الحديثة سواء أسميناها مدنية أو علمانية هي الملجأ الطبيعي لتجنب الوقوع في براثن الدولة الدينية والدولة العسكرية وكلاهما دولة تناهض الديمقراطية ولا تعبأ إلا باحتكار السلطة والثروة ترفض الاختلاف وتبغض الدستور والقانون.

عندما تختلط المفاهيم وتلتبس الحدود بينها نري الحالة المصرية, ولا نجد لها تعريفا واضحا, حيث نري التداخل غير المبرر بين الدين والسياسة, فلا هي دولة دينية ولا هي دولة مدنية, بل خليط غير مفهوم يبتعد بنا عن مقتضيات الدولة الحديثة.

عندما يصر الدستور علي أن مصر دولة مدنية وأن دينها الاسلام والشريعة الاسلامية مصدرها الرئيسي للتشريع اذن فنحن أمام دولة دينية لا تجدي معها أي نصوص أخري في الدستور تتحدث عن الحرية والديمقراطية والمواطنة مهما كثرت.

عندما يصرّ النظام علي التواجد في الفعاليات الدينية سواء اسلامية أو مسيحية, وعندما يسمح النظام بالتواجد المكثف والقوي للمؤسسات الدينية, ويسمح بقيام أحزاب دينية, هذا اعتراف من الدولة بالبعد الديني للحكم, الذي يقودنا الي مبدأ قديم هو “الملك بالدين يبقي, والدين بالملك يقوي”, وهو ما لا علاقة له بالدولة المدنية الحديثة بل هو أن لم يكن تكريسا لنظام الحكم السلطوي فهو في أفضل حالات حسن النية تخبطا وجهلا بمقتضيات الدولة الحديثة كما أسلفت.

عندما نعاني من الفكر المتطرف، ولا نتخذ اجراءات حاسمة للقضاء عليه, ونتركه يتوغل علي أيدي التيار السلفي, ثم نعهد الي الأزهر بما يدعي تجديد الفكر الديني وهو المؤسسة الراعية لهذا الفكر أصلا, فنحن أبعد ما يكون عن الدولة المدنية الحديثة التي تتوجب فصل الدين تماما عن السياسة وأمور الحكم كشرط أول لقيامها.

عدم حسم قضية الدين والحكم يبقينا في حالة ميوعة سياسية, ويمنع التشكل الطبيعي لأركان الدولة, ويتسبب في استمرار الحالة الاستثنائية بإجراءاتها سيئة السمعة, وأكثر من ذلك لا يسمح بتشكيل الوعي السياسي للأمة الذي يدعم الحكم أو يعارضه من منطلقات حقيقية, وهو القادر علي تصحيح المسار والانطلاق في طريق التنمية والتقدم دون معوقات فكرية وعقائدية مثبطة للهمم.
#بالعقل_والهداوة

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Sameer Zain-Elabideen سمير زين العابدين

خريج الكلية الحربية فبراير 1969, أعمل حاليا في النظر حولي وأشياء أخري, عقلي هو إمامي ورئيسي

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى