إشتغلتُ مترجماً فى القوات المسلحة بعد حرب ٦٧ لأكثر من عام….


إشتغلتُ مترجماً فى القوات المسلحة بعد حرب ٦٧ لأكثر من عام. (تحدثت عن ذلك فى مقالة سابقه.) بعد بضعة شهور من العمل مع الخبراء الروس ساعات طويلة كل يوم تكونت بينى وبين عدد منهم علاقات شخصية طيبه. وذات مرة أثناء سفر طويل فى الصحراء حكوا لى واقعة طريفة:

كان هؤلاء الخبراء يسكنون فى عمارة عالية فى مدينة نصر. وشاء حظهم أن شقة فى العمارة المقابلة كانت تسكنها أسرة فى مقتبل العمر. كان الزوج غائباً معظم الوقت، ومن عادة الزوجة أن تتجول فى شقتها مرتدية قدراً من الملابس يقترب من الصفر وأحياناً يساويه. (الراجح أنها كانت مطمئنة إلى أن السر “في بئر”، لأن الذين يرونها أجانب ولا يختلطون بالمصريين.)

لم يكن مسموحاً للخبراء إدخال مصريين للعمارة، وإلا لكانوا عزمونى على كوب من الشاي بعد الشغل. (تحدث عن سوء الحظ!) على أي حال – كانت تلك السيدة محقة فى إطمئنانها، فلم يفشى الخبراء سرها لأحد سوى “العبد لله”، الذى كتمه لأكثر من نصف قرن حتى يومنا هذا.

لماذا تذكرتُ هذه الواقعة؟ لأن سيدة أوكرانية تعيش فى القاهرة كانت تتجول فى شقتها بملابسها الداخليه. وحيث أن الشعب المصري “متدين بطبيعته” فقد إنتفض غاضباً، وإنبرت سيدة مصرية غيورة لتقديم شكوى للنيابة، وسارعت النيابة بدورها بالقبض على السيدة الأوكرانية. لا أعرف ما هي التهمة بالتحديد، لكنى أخمن أنها إفساد المجتمع المصرى الملائكى، الذى لم يكن قبل ذلك لديه أية فكرة عن ماذا يكمن تحت ملابس الناس. (يُستثنى من ذلك طبعاً الثلاثين مليون مصري الذين يشاهدون أفلام إباحية كل يوم وفقا لبيانات الإنترنت.)

عنما قرأت عن تلك الحادثة خطر ببالى خاطر عجيب: ماذا لو أن السيدة التى قدمت الشكوى هي (بمحض الصدفة) سيدة مدينة نصر ذاتها، بعد أن أدخلَتْها الصحوة الدينية إلى حظيرة التقوى؟ (هذا طبعاً إحتمال ضئيل، لكنه ليس صفراً.) تخيل لو كان الأمر كذلك، ألا يكون هذا أطرف تهكم للقدَر فى تاريخ البشريه؟ وماذا لو أنتج أحدهم فيلماً بهذه الحبكة؟ تخيل عدد التذاكر التى ستباع! وتخيل المناظر التى يمكن تصويرها!

نعود إلى موضوعنا – يتسم المصريون (كما قلنا) ببراءة الملائكة وطهارة القديسين. لا يعرفون شيئاً عن العري ولا الجنس ولا من أين يجيئ الأطفال. (لذلك صدمهم المنظر الغريب.) ومع ذلك فهم يتكاثرون بمعدل مذهل يضعهم فى المرتبة الثانية بعد الأرانب مباشرة فى جدول تكاثر الثدييات. كيف يفعلون ذلك؟ لا أحد يعرف. هذه أعجوبة أخرى من أعاجيب الشعوب “المتدينة بطبيعتها”.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version