كتّابمفكرون

إبتدع الفقهاء القاعدة الفقهية (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص…


إبتدع الفقهاء القاعدة الفقهية (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب) لتكون حاكمة في أمور الفقه عند القياس والإستنباط, في إهمال متعمد لأسباب النزول, ودراسة ما هي العلة والسبب الذي نزلت بسببه الآية أو الآيات, رغم أن العلم بالسبب وسيلة مهمة للوقوف علي تفسير الآية, والوصول الي عمق ما تتضمنه من أحكام فقهية او تشريعية.
وقد قال الإمام أحمد بن حنبل: “لم نكن نعرف الخصوص والعموم حتي ورد الشافعي”.
هذه القاعدة لا تعني بكل أسباب النزول, فهي بطريقة (لا تخلو من غرض) لا تضع اعتبارا لأن من أسباب النزول ما هو عام يحمل صفة العموم عند تطبيقه, وما هو خاص بصاحب السبب لا يتعداه لغيره, أو ظرف النزول وأسبابه.
وتكمن الخطورة في أن هذه القاعدة تهمل التاريخ, وتتجمد عند لحظة حدثت منذ أكثر من 1400 سنة, وهي بالتالي تغلق باب الإجتهاد الحقيقي, فمن اليسير أن تجد لفظا أو ألفاظا أو عبارات تحمل معني عام, في عموم النصوص المقدسة, وتدّعي أنها تطابق حالة يجري دراستها واستخراج الحكم الشرعي لها, دون اعتبار لسبب نزول النص ومدي تطابقه مع الحالة.
علينا في البداية أن نعترف بعدة أمور :
أولا : أن الفقه (ومعناه الفهم) وتعريفه (إستنباط الأحكام العملية من أدلتها الشرعية) هو عمل بشري أولا وأخيرا, وأي عمل بشري قابل للخطأ والصواب, وأن إدراك الإنسان قد اتسع بإتساع المعارف والعلوم, وما يتيسر من المعرفة لمن يعيش في القرن الواحد والعشرين, هو بلا شك أكثر كثيرا ممن عاش في القرون الأولي للإسلام, وأن باب الإجتهاد مفتوح, لا يمكن إغلاقه طالما استمرت الحياة, وتواجد بشر جديد, يدعمه ادراك متنامي للإنسان الجديد, ووسائل معاونة كثيرة قد استحدثت, يسّرها العلم والتطور لدعم هذا الإدراك, وأنه من الطبيعي أن تستجد أمور وظروف وحالات لم تشهدها القرون الأولي للإسلام.
ثانيا: أن الفقه المصدر لنا هو فقه انتقائي, وأن العديد من الاجتهادات الفقهية قد أغفلت عمدا وخبئت, ولم توضع في الحسبان, ومنهم علي سبيل المثال, فقه الأئمة الليث بن سعد, وابن حزم الأندلسي, وأبو جعفر الطبري, وغيرهم.
ثالثا: أنه حتي الفقهاء الأربعة المتفق عليهم, والمأخوذ منهم, قد اختلفوا في كثير من الأمور, وهو أمر طبيعي طالما اعترفنا أنه عمل بشري غير إلهي.
لقد أدي إغفال العناصر السابقة الي انتقال القداسة من الأنبياء والكتب السماوية, الي هؤلاء الفقهاء الذين أصبح فهمهم وحده هو ما يتخذ في كل شؤوننا الدينية, والعجيب أنك تجد رجال الدين المعاصرين يدافعون عنهم بضراوة, بدلا من إعمال عقولهم وتجديد الفهم الديني بما يتيسر في العصر الحالي, وهو في المقابل يسرع بالعديد الي الإلحاد عندما يصطدمون بفقه لا يناسب العصر ولا يجدون مفرا منه.
وهنا مثال واضح
“وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ”
خمار المرأة : غطاء تغطّي به رأْسَها, وقد جاء اللفظ معرفا, بمعني أنه يشير الي ثوب هو بالفعل موجود, وليس فرضا جديدا يختص بالمسلمين وحدهم, والخمار عموما هو (الغطاء أو ما يستر الجسد أو جزء منه) فيقال للرجل خمر فخذك بمعني غطيه, ويقال عن سجادة الصلاة خمار لأنها تستر الوجه من تراب الأرض.
أما جيب المرأة : فهو فتحة صدرها, حيث كانت النساء يغطين رؤوسهن – وكذلك الرجال – للحماية من شمس الصحراء وأتربتها وكذا للحماية من الحشرات, لكن كانت المرأة حينها تترك شقاً في ثوبها من عند الرقبة إلى أسفل الصدر (أي بين ثدييها)، حتى تستطيع ارتداء الثوب بسهولة ولإرضاع ولدها, وقد ينكشف صدرها من هذا الجيب (أي الشق), ولذلك أمرت بأن تغطي (أي تخمر) هذا الجيب وتيسيرا لها جعلها بإستخدام قطعة الخمار علي رأسها.
وماذا عن غير المؤمنات في نفس الظروف؟ هل يخلعن خمار الرأس أم يستبقينه؟
وماذا لو لم تكن الظروف المناخية والطبيعية تحتاج غطاء للرأس؟ بماذا كانت النساء سيغطين صدورهن؟
وماذا بعد أن تطور الملبس وأمكن تغطية الصدور دون غطاء للرأس؟.
الإجابة علي هذه الأسئلة توضح خصوص السبب وهو تغطية المرأة لصدرها, أمّا ما فعله الفقهاء فقد أخذوا عموم اللفظ (الخمار) وفرضوه علي النساء ليشمل فيما يشمل غطاء رأسها, كيف ولماذا فهذا أمر يطول شرحه, يدور حول النظرة المتدنية لهؤلاء الفقهاء للمرأة.
ختاما هذا لا يعني تأكيدا لأن العبرة يجب أن تكون بخصوص السبب فقط, بل أن هناك نصوص تحمل صفة التعميم, وعلينا أن نتفقه (دون غرض) لمعرفة الفرق بين هذا وذاك.
#بالعقل_والهداوة

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Sameer Zain-Elabideen سمير زين العابدين

خريج الكلية الحربية فبراير 1969, أعمل حاليا في النظر حولي وأشياء أخري, عقلي هو إمامي ورئيسي

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى