كتّاب

أيامنا الجميلة التي لا تصلح الآن….


أيامنا الجميلة التي لا تصلح الآن.
——-

قبل 15 عاماً وافقت على إجراء لقاء مفتوح مع أعضاء منتدى “بوابة العرب”. كان المنتدى هو الشبكة العربية الأكبر آنذاك وكان عدد أعضائها يتجاوز الربع مليون.

أثناء اللقاء لاحظت إن الإدارة قد كتبت تحت اسمي عبارة “درع بوّابة العرب”، وقالت رسالة من الإدارة إنهم يمنحون تلك الصفة فقط للشخصيات المرموقة. وبصورة مباشرة أو غير مباشرة قيل لي إن جهة حكومية سعودية رفيعة هي من تموّل الشبكة وترعاها، وكانت صورة الملك عبد الله بن عبد العزيز تملأ الواجهات كلها.

وكنت ممن يشعرون بالأمان والخوف في آن واحد، فليس بالأمر الهيّن أن تعشو تحت ظلال خادم الحرمين الشريفين، هناك حيث مر الرسل ووقعت الحروب.

كان اللقاء ثرياً، تقافزت الأسئلة من كل مكان حول كل شيء، وكنت آنذاك أعتقد أني الرجل العليم القادر على كل شيء. وبعد مضي شهر واحد فقط كتبت إدارة الموقع تحت اسمي: موقوف لسوء سلوكه.

كان شهراً رائعاً، وكنتُ شاعراً معروفاً إلى حد ما حديث الفوز بجائزة الشارقة للإبداع العربي[كنت في مرحلة البكالوريوس] وكان لي أصدقاء وصديقات.
وكنتُ إذا غضبتُ من “إكليل الإمارات” أذهب إلى نصوص الأخت “منارة قطر” وأرد عليها كائلاً المدائح كلها دفعة واحدة.

وكان صديقي خالد، يقول إنه أمير سعودي، يكتب قصيدة نثر عامرة بالمجاز. ومرة قال لفتاته في قصيدة ملتهبة: عند منحنى ابتسامتك، فضجت الدنيا والدين لذلك المجاز.

وعندما أغضب صديقته “فتاة ينبع” راحت الفتاة إلى مواضيع الأخ كيوبيد وكتبت فيها كلها: ألم أخبرك أمس برأيي ولكن ضحكتك لم تترك مجالاً للنقاش. رائع وكفى رائع وكفى رائع وكفى.

أصيب خالد في ذلك النهار بشرخ في القلب، وكان يئن مثل خشبة في أرض مطيرة “ترى يدق لها تلفون”. ورحت أسرّي عليه قائلاً إني أعرف الحقيقة، وأن الأخ كيوبيد هو نفسه فتاة ينبع، وأنها فتاة بالفعل تحبّك. وعندما لاحظت أنه لم يستوعب ما أقوله صرخت فيه “يا أخي يدق لها تلفون ولا يدق لها حاجة ثانية”. لكن الأمير الشاعر واصل الأنين إلى أن عادت فتاة ينبع صاغرة.

ما أروع تلك الأيام. كبرنا بعدها بسرعة وتركنا المنتديات. عاد أصدقائي الخليجيون إلى أسمائهم الحقيقية، وقفزوا إلى الأعلى وصاروا صناع قرار.
وبقيت أنا هنا على الشبكة مع كلاب السكك الطيبين، نكتب القصائد، وجاءت فتيات أخرى حملن الأسماء القديمة نفسها وأكملنَ المسيرة.

أما أصدقائي الرائعون، وقد صاروا صناع قرار في دولهم الخليجية الرائعة والعظيمة،فلا يزالون رائعين ومذهلين مثل تلك الأيام في منتدى بوابة العرب.
حتى وقد صاروا صناع قرار أشداء إلا أن تلك الروح الشريرة اللذيذة، أيام إكليل وكيوبيد، بقيت كاملة.

وكلما أغضبهم الأتراك راحوا مباشرة إلى تل أبيب والتقطوا الصور ومضوا في أسواق البلدة القديمة وهم يضغطون لايك على كل دكان.

وإذا تلكأت مصر عليهم بشيء راحوا إلى أثيوبيا والتقطوا الصور أمام السد. وإن تباطأ الباكستانيون في الرد على مكالماتهم ذهبوا إلى الهند ومنحوا رئيس حكومتها الوسام الأرفع. وكما فعلت فتاة ينبع مع الأخ كيوبيد، وكما فعلت بوابة العرب معي.. تدار السياسة الخارجية الخليجية.

يا لها من أيام، كان الواحد فينا يفقع مرارة صديقته علانية ولأتفه الأسباب. وعندما قالت لي إحداهن ألم تخجل من نفسك، تكتب ل”الغيمة النبيلة” ألا يكفي أني أحبك؟ فأرد عليها ببلاهة: كنت فاكرها ولد.

عرفت الصبايا تلك الحيل مبكراً، وكانت الواحدة منهن إذا تخانقت مع غلامها الشاعر تختفي لأيام. وكان بعضنا، ممن يفهمون على مهل، يقضي وقته في الرد على نصوص فتاة ينبع غير مدرك لحقيقة إن عمانية وأفتخر سجلت خروجاً منذ فترة ولا شيء يصلها.

أشعر بالأسى أحياناً وأنا أرى إلى المشهد السياسي الخليجي، ومن وقت لآخر أفكر بمراسلة أصدقائي القدامى لأخبرهم أن الأمور تبدلت بعض الشيء، وأن أيام بوابة العرب كانت جميلة، آه، ولكنها لم تكن كافية.

وأن أثيوبيا ليست فتاة ينبع، وتركيا ليست عمانية وأفتخر.

والدنيا مثل الخيارة، وليست مثل المنتدى.

وأن الغضب من تركيا أو باكستان، لأسباب موضوعية، لا يساوي الغضب من فتاة ينبع. وأن السفر إلى الهند وإسرائيل وفتح السفارات والموانئ يشبه في جوهره متابعة مواضيع عمانية وأفتخر ولكن إحدى اللعبتين مسلّية ولكن الأخرى خطرة للغاية.

ثم أتراجع عن نواياي بعد أن تعاودني ذكرى قديمة وحين تقفز كلمات توماس فريدمان أمام عيني وقد جلس إلى بن سلمان وفريقه ست ساعات: كان محاطاً برجال مشحونين بالتيستيستيرون.

والتيستيستيرون كما تعرفون هو هرمون الذكورة والفحولة والعمل الصالح.

كنّا في بوابة العرب بحاجة ماسة إليه، وكان يساعدنا على تجاوز أسوأ الأوقات والأزمات.

غير أننا، للأسف الشديد، لا يمكننا أن ندير مسائل البلدان مستخدمين هذا الهرمون العظيم واللعين في آن.

_____

م.غ.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى