كتّاب

أمجد سيجري | **** أسرار ودلالات رمزية – الأشجار و تقديسها **** * أمجد سيجري تعتبر

**** أسرار ودلالات رمزية – الأشجار و تقديسها ****

* أمجد سيجري

تعتبر العلاقة بين الإنسان و الأشجار من أقدم العلاقات جمعت بين الإنسان وكائن حي أخر بالتالي شكلت الرمزية الأولى التي عُبر من خلالها عن المفاهيم والدلالات الخاصة بها ، فكانت الشجرة رمزاً عالمياً يمكن العثور عليه في العديد من الحضارات المختلفة حول العالم القديم.

كانت الأشجار اول مصدر غذائي للإنسان بالتالي هي مصدر مهم لتأمين التغذية الجسدية التي تضمن بقائه واستمراره وتناسله بالإضافة لدورها في حمايته من الأخطار المختلفة بما تؤمنه كملجأ من الكائنات المفترسة الأرضية و حتى ظلها كان ملاذاً لحمايته من أشعة الشمس الساطعة فكانت بظلها ملجأً مهماً لقضاء يومه الشاق مع تطور المفاهيم والانتقال بالتفكير من الحسي الى التفكير الحدسي تم نقل الدور الذي لعبته الاشجار كمصدر اساسي للحماية والتغذية الى جعلها رمزاً للأمومة و للتغذية الروحية للخصوبة و التحرر و النمو الروحي فكانت بالتالي رمزاً روحياً ارتبط بالانسان منذ القدم حتى غدا إرتباطه بالأشجار إرتباطاً فطرياً يحدد الوعي البشري لمفهومي الزمان والمكان من خلاله لكن كيف يتم هذا التحديد :

الزمان : فكما نعلم هناك أنواع عديدة من الأشجار منها ما يكون صغيراً وينمو ويكبر أمام نظر الانسان ومنه ما يكون كبيراً لكن متساقط الأوراق فتشكل حياة هذه الاشجار الكاملة والمرحلية خطاً زمنياً يعبر عن الولادة والحياة والموت والبعث ومن الأشجار ما كان دائم الخضرة و معمراً جداً فلا يلاحظ الانسان التغيرات التي تطرأ عليها ويموت قبل أن يحدث أي تبدل على هذه الأشجار المعمرة فتكون مثالاً للخلود .

أما المكان :

إرتبطت الأشجار بالأرض أي بالوطن الأم فكانت رمزاً للمقاومة والتشبث بالأرض كما شكلت بقامتها المنتصبة رمزاً للكرامة والإستقامة و رمزية زكورية ترتبط بالأرض الأثنى الأم لخلق الحياة المتمثلة بالأوراق والثمار التي ترمز للحياة الناتجة عن أقدم أشكال الزواج المقدس فعبرت بمكانها الذي تنبت فيه عن القداسة والقوى الروحية ودلالاتها لذلك تم استخدام الأشجار دائمة الخضرة قديماً كأماكن مقدسة في الطقوس الروحية و إعتبروا بعض الأشجار قبلةً للحج و الاحتفال .
فقد تم العثور على أشجار مقدسة في العديد من الحضارات العالمية كالتقاليد الشامانية و الهندوسية و المصرية و السومرية والإسكندنافية و المسيحية حتى عند العرب قبل الإـ///ــلام فقد عبد العرب الهة القوة والحماية والجمال "العزى" وهي الصورة العربية من أفروديت التي كانت ترمز بثلاث شجرات خضراء ويروي الأخباريون العرب حكايةً حول عبادة إحدى الأشجار الخضراء العظيمة التي تسمى " ذات أنواط " هي جزء من عبادة العزى حيث ﻛﺎﻧﺖ العرب قبل الإـ///ــلام ﺗﺄﺗﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ تعظيماً ﻟﻬﺎ، ﻓﺘﻌﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺃﺳﻠﺤﺘﻬﺎ ﻭﺗﺬﺑﺢ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻗﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ ﻣﻜﺔ ﻭﺫﻛﺮ ﺃﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺇﺫﺍ ﺣﺠﻮﺍ يعلقون اغراضهم ﻋﻠﻴﻬﺎ ثم ﻳﺪﺧﻠﻮﻥ ﺍﻟﺤﺮﻡ ﺑﻐﻴﺮ ﺃﺭﺩﻳﺔ، ﺗﻌﻈﻴﻤًﺎ ﻟﻠﺒﻴﺖ ﻭﻟﺬﻟﻚ ﺳﻤﻴﺖ " ﺫﺍﺕ ﺃﻧﻮﺍﻁ " .

و في الديانة اليهودية و المسيحية والإـ///ــلامية نجد حكاية شجرة المعرفة المحرمة التي تنمو في وسط جنة عدن تلك الشجرة التي نهّا الله كلاً من أدم المخلوق من الطين وحواء المخلوقة ضلعه عن الأكل منها والحكاية في الأديان الثلاث تستند على قاعدة أساسية وهو سفر التكوين الذي يميز نوعان من الأشجار شجرة الحياة وشجرة المعرفة .
ولكنهم أدم وحواء خُدعوا من قبل ثعبانٍ ماكر وهو " الشيطان في الرواية الاـ///ــلامية " و وعدهم بأنهم سوف ينالون المعرفة و الحكمة كإله إن اكلوا الثمار المحرمة فكانت نتيجة فعلتهم أن طردوا من الجنة .
والمثير أن المفهوم السومري عن الحكمة بأنها تشبه الشجرة التي تمنح ثمارها للذين يأكلونها وتعطيهم طول الذكرِ والخلود.
وقد كان رمز الشجرة كرمز للخلود و الحياة راسخاً في العصور القديمة في الثقافات السورية والعراقية قبل فترة طويلة من تبني الديانات اليهودية والمسيحية والإـ///ــلام وغيرها من الثقافات لها يظهر أقدم ذكر لحكاية الأكل من الشجرة التوراتية في الختم السومري رقم ME 89326 والمعروف بإسم "ختم الإغراء " والذي يعود تاريخه إلى 2200 إلى 2100 قبل الميلاد و هو عبارة ختم أسطواني حجري صغير مصمم ليتم ارتداؤه بخيط أو دبوس ويستخدم للختم به على الالواح الطينية ويبدو استخدامه كان ادارياً كما هو استخدام الأختام اليوم عموماً يمكننا وصف هذا الختم بأن له جانبين و تفصل بينهم شجرة نخيل و في الجانب الأيمن رجل يرتدي قروناً وهي دلالة من الدلالات الألوهية والجانب الايسر انثى يمدان ايديهما بإتجاه ثمار هذه الشجرة وفي جانب الأنثى يظهر ثعبان والثعبان كما نعلم هو من الدلالات المستخدمة في ترميز الخلود والحكمة.

وفي الختام كانت عبادة الاشجار في العديد من الأساطير والأديان في العالم تدل الى معان عميقة ومقدسة على مرِّ العصور فمراقبة الإنسان لنمو الأشجار وموتها ، ومرونة فروعها وموتها السنوي وقيامتها بعد موتها ببروز أوراقها من جديد كما قلنا شكل رمزاً قوياً للولادة والموت والقيامة مما جعلنا نحتفظ بأثار هذه العبادات إلى يومنا هذا عن طريق زراعة الأشجار في المقابر وبجانب المقامات والاديرة والجوامع وغيره الكثير من الأماكن التي نعطيها صفة القداسة كما ﺗﻈﻬﺮ ﻓﻲ إﻣﺘﻨﺎﻉ البعض حتى اليوم عن ﻗﻄﻊ الأشجار ﻻﻋﺘﻘﺎﺩﻫﻢ ﺃﻧﻬﻢ ﺇﻥ ﻓﻌﻠﻮﺍ ﺫﻟﻚ صيصيبهم شر ومكروه ما .
لكن هذا التقديس الفطري قد لا يكون لدى البعض ممن مُسحت أدمغتهم وتغلغل فيها الشر والارهاب والدموية ففي العام 2013 قام تنظيم داعش الإرهابي بقطع ﺷﺠﺮﺓ ﺑﻠﻮﻁ ﻋﻤﺮﻫﺎ 150ﺳﻨﺔ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺍﻃﻤﺔ ﺷﻤﺎﻝ ﺳﻮﺭﻳﺎ في منطقة تسمى الكراسي ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺔ، ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺍﺗﻬﻤﻮﺍ ﺍﻟﺴﻜﺎﻥ ﺑﻌﺒﺎﺩﺗﻬﺎ حيث صرح هذا التنظيم والقول لهم " ﺑﺤﻤﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﺗﻤﺖ ﺇﺯﺍﻟﺔ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﻜﺮﺍﺳﻲ ﻋﻤﺮﻫﺎ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ 150 ﺳﻨﺔ ﺗﻌﺒﺪ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻳُﺘﺒﺮﻙ ﺑﻬﺎ " .


أمجد سيجري | كاتب وناشط مجتمعي

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى