كتّاب

أحمد شوقى بين عبد الوهاب وأم كلثوم…


أحمد شوقى بين عبد الوهاب وأم كلثوم
أحمد شوقى (1868- 1932) أمير الشعراء، وأحد مؤسسى النهضة المصرية، حافظ على صلاته الوثيقة بالقصر الملكى وبالشعب فى نفس الوقت وكان لسان حال الحركة الوطنية المصرية فى الثلث الأول من القرن العشرين، التقى محمد عبد الوهاب (1902- 1991) فى أحد مسارح الأسكندرية سنة 1924 وكان مجرد مطرب بلدى بسيط فقير يؤدى أغانى وأدوار من سبقوه، فأعجب بصوته العظيم، وتبناه وراح يقدمه لكبار مفكرى وساسة عصره ويصحبه فى رحلته السنوية إلى باريس، ويطلب من كبار الدارسين المصريين فى باريس اصطحابه لتعليمه فنون الأوبرا والغناء والسيمفونى والدراما والمسرح، وراح شوقى يكتب لعبد الوهاب العديد من أغنياته، حتى بلغ ما كتبه له منذ تعرف عليه حتى وفاته بعدها بسبع سنوات نحو عشرين أغنية، كانت أولهم” اللى يحب الجمال يسمح بروحه وماله، قلبه إلى الحسن مال، مال العوازل وماله” وانتهج فيها عبد الوهاب نهجا تلحينيا غير مسبوق، حيث يسير المطرب والكورس كل فى اتجاه مختلف ومحسوب، ومن المعروف أن شوقى شاعر العربية الأكبر لم يكتب بالعامية إلا العديد من أغنيات عبد الوهاب، وكان من بين تلك الأغنيات العشرين: أنا انطونيو، وياجارة الوادى، وياناعما رقدت جفونه، وبلبل حيران، وفى الليل لما خلى، والنيل نجاشى.
– أما أم كلثوم ( 1898- 1975) فقد ذاع صيتها فى الدقهلية موطنها وقد ضاقت عن طموحها، فاستقرت بالقاهرة منذ 1921 ولم تكد تمر خمس سنوات على هذا التاريخ حتى أصبحت مغنية القاهرة الأولى والتى يزرى نجمها الصاعد بمنيرة المهدية وعزيزة البيضاء ونعيمة المصرية ونبوية غزال وغيرهن من الشهيرات وقتها، وأصبحت بثقافتها وحفظها للتراث هى المفضلة فى قصور الكبراء والأمراء، وكان من الطبيعى أن يلتقيها ويعجب بها شوقى بك، ويحضر حفلاتها هنا وهناك، وتقوم بينهما صداقة رقيقة، ويدعوها لزيارته أواخر العشرينيات، وفى حديقة كرمة ابن هانئ، وفى هدأة ليل يقدم لها كأسا من النبيذ، فتعتذر عن احتساءه، فيلح عليها فترفع الكأس إلى شفتيها وتضعها، وفى اليوم التالى، تتلقي أم كلثوم من شوقى مظروفا به قصيدة رائعة عن موقف الأمس، من تسعة أبيات فصيحة تقول: سلوا كؤوس الطلى هل لامست فاها.. واستخبروا الراح هل مست ثناياها، باتت على الروض تسقينى بصافية .. لا للسلاف ولا للورد رياها” ولم تغن أم كلثوم القصيدة، ولم تطلب من شوقى أن يكتب لها ما تغنيه، هل كانت هذه رغبة شوقى؟ أم كانت رغبة عبد الوهاب؟ هل كان هذا اتفاقا بين شوقى وعبد الوهاب، ألا يكتب شوقى لأحد غير عبد الوهاب، المهم أنه مات شوقى دون أن تغنى له أم كلثوم أغنية واحدة فى حياته…. لماذا بالتحديد؟ .. الله أعلم
– وبعد موت شوقى بسنوات، انشغل عبد الوهاب بنجمه الصاعد ومع مرض الملك أحمد فؤاد بحثت أم كلثوم عن قصيدة مناسبات قديمة لشوقى،وقد أصبح من السهل عليها التعاقد مع ورثة شوقى لشرائها، فغنت له: ” الملك بين يديك فى إقباله .. عوذت ملكك بالنبى وآله”، وفى الأربعينيات بعثت القصيدة التى كتبت لها خصيصا منذ نحو عشرين عاما ” سلوا كؤوس الطلى” واعقبتها بالأربع قصائد النبوية العظيمة: سلوا قلبي، ونهج البردة، وولد الهدى، وإلى عرفات الله، وأظن أننى لم أعرف المعنى الإنسانى لحب الرسول “ص” إلا عندما مست أبيات تلك الأربع شغاف قلبى، وختمت أم كلثوم أغانيها من قصائد شوقى سنة 1949، بقصيدة النيل: “من أى عهد فى القرى تتدفق.. وبأى كف فى المدائن تغدق”
– رحم الله النبلاء الذين سطروا أروع صفحات ثقافتنا المصرية…… ويسعد أوقاتكم


يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى