كتّاب

أجدادنا القدماء: بين العلم والتعليم والدين:…


أجدادنا القدماء: بين العلم والتعليم والدين:
كنت أدرس لطلابي سنة ١٩٩٥..في بكالريوس كلية التربية الرياضية للبنين بالهرم.. في دفعة مميزة تضم العديد من أبطال مصر في الألعاب المختلفة.. كان على رأسهم كابتن “هادي خشبة”.. ادرس لهم مادة “أصول التربية”.. وكانت محاضرتي عن التربية عند الفراعنة، وبعد أن تحدثت عن حدود زمن الفراعنة وابرز مميزاته وسماته وتطوره.. قلت: انه من الأساطير الشائعة أن الفراعنة كانوا طوالا عمالقة.. والحقيقة انهم كانوا مثلنا وربما أقصر ببضعة سنتيمترات..
فرفع أحد الطلاب يده طالبا الكلام، فأشرت إليه؛ اتفضل، فوقف وقال اسمه “حسام.. كذا”، اتفضل ياحسام، فقال حسام: كلامك مش صحيح يادكتور.. فالفراعنة كانوا عمالقة ففي حديث الرسول(ص) في البخاري كذا جزء كذا انهم كانوا يبلغون أربعة وخمسين ذراعا.. وهناك ذراع عسير.. وذراع نجد. . ولو أخذنا بالذراع الأقصر يصبح طول الفرد فيهم أربعة وأربعين مترا.. ورحت أرد..
-لم تعرف الأبحاث الانثربولوجية أقصر من أقزام البوشمان نحو ١٤٠ سم.. وعمالقة الدنكا نحو مترين.. أما ثلاثين وأربعين مترا للفرد فهو كلام خرافي لم تثبته الأبحاث الأثرية في اي مكان من العالم .. وسوف أصحبكم في رحلة للمتحف المصري لتعرفوا انه قد ترك الفراعنة صور حياتهم اليومية بتفاصيل ثرية على جدران معابدهم ومقابرهم.. ولو كانت هذه الأطوال حقيقية فلابد ان تكون سنبلة القمح في يد أحدهم تبلغ أربعة أمتار.. ولابد ان تكون البقرة يجرها الفلاح مثل أربعة عمارات من عشرة طوابق.. ولابد ان تكون الدجاجة في يد الفلاحة في حجم الأتوبيس.. ولابد أن تكون السمكة يصطادونها في حجم الحوت الأزرق.
– على جدران معابد الدولة الحديثة كالكرنك والأقصر وهابو والرمسيوم وسيتي.. مناظر لعشرات المعارك التي يفتك فيها الجنود المصريين بأعدائهم من الشعوب الغازية: هكسوس وحيثيين وآشوريين وليبيين وزنوج وشعوب بحر.. وترى فيها أحجامهم جميعا متماثلة ماعدا الملك الذي يبالغ في رسم حجمه لأسباب ملكية وطقسية.. فهل كانت هذه العملقة طبيعة لكل أجناس الأرض أم اختص بها الخالق أجدادنا القدماء
– ولأن الفراعنة كانوا يؤمنون بالبعث للصالحين بنفس الجسد، فقد تركوا لنا أدواتهم التي كانوا يستخدمونها في حياتهم الدنيا: ملابس.. وصنادل وشباشب.. وحُلىّ.. وأدوات زينة ولهو.. وادوات موسيقى.. وأدوات كتابة أقلام ومحابر وورق بردي ومراسلات. . ومُدىً.. وأسلحة.. وحراب وسهام. . وعربات حربية.. ومراكب وسنانير وأدوات صيد.. وأوان.. ومقاعد وأسرّة..وهي كلها مما تناسبنا في أحجام أجسادنا الآن.
– ولأن قدماء المصريين كانوا يؤمنون بالبعث بنفس الجسد فقد تركوا لنا مومياوات العشرات من ملوكهم وأمرائهم وأميراتهم مثل: سقنن رع.. أحمس.. تحتمس ٢ و٣.. حتشبسوت.. امنحتب ٣..سيتي ١.رمسيس ٢ مرنبتاح.. وغيرهم.. سنري بعضهم في موكب انتقالهم من المتحف المصري لمتحف الحضارة غدا.. وهي كلها ذات أطوال عادية مثلنا تماما.. فإذا كان من الممكن أن تقول أن الجسد البشرى قد ينكمش طوله بعد أن يجف ويتخلص من سوائله فماذا تقول عن التوابيت من الذهب والفضة والجرانيت والبازلت
وقد حرصت ان أقول كل هذا وتلميذي حسام مازال واقفا.. ليقول: كلامك خطير يادكتور..
… يسعد أوقاتكم

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى