الأقيال

وشـــهـد شــــــاهدا. مــن اهــلــه…


وشـــهـد شــــــاهدا. مــن اهــلــه

زعيمة عصابة النفق تروي شهادتها للمرة الأولى عن خطة الهــاشــمين تصفية الرئيس صالح في منزله.. الحلقة الأولى
20 مايو، 2020

جميلة الكبسي –
كتبت فيما مضى كتابا لم ينشر بعد أسميته (الشاهد الأول)، جمعت فيه الحقيقة كاملة لقصة النفق الذي تم حفره لاغتيال الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، والذي كان تحت منزله المجاور لمركز الكميم التجاري في حي حده، كما ضمنت الكتاب عددا من الصور التي استطعت الحصول عليها أثناء جمع المعلومات. ولقد حرصت على أن أكتب كتابي بحيادية تامة، ومصداقية بعيدة العاطفة، لأنه دون شك يؤرخ حقبة زمنية معينة من تاريخ اليمن. وستبقى تلك المحاولة حدثا تاريخيا يرتبط بشكل أساسي بشخصية تاريخية حكمت اليمن لثلاثة وثلاثين عاما، بل أنها شخصية استثنائية، حيث استطاع علي عبدالله صالح أن يكون مؤثرا في المشهد السياسي اليمني حتى بعد تخليه عن الحكم, وحتى تم بالفعل قتله في منزله الذي تم حفر النفق فيه لذات الهدف، وبنفس الخطة والترتيبات المتفق عليها عند حفر النفق، أي قبل إتمام المهمة بسنوات.

ستتضمن الحلقات المستقاة من الكتاب المعد للنشر لاحقا كافة تفاصيل القضية، من مرحلة التخطيط وجمع وانتقاء أفراد العصابة، مرورا بالخطط البديلة التي كانت تعد للخلاص من أي مأزق عارض، وانتهاء بتمام الخطة رغم تأجيلها وقتل علي عبدالله صالح في منزله بعد تعديل في الخطة، الأمر الذي استوجبه كشف خطوط عريضة من الخطة سابقا.

ومما لاشك فيه أن طول النفق الممتد من هنجر يقع بالقرب من شركة سبأفون ــ التي يمتلكها الشيخ حميد الأحمر ــ إلى عقر دار صالح، يشكل خطرا كبيرا على المنازل والمحلات والمرافق التي يمر بها النفق في حال الاتفاق أن يتم الخلاص من صالح عبر تفجير منزله.

والحقيقة أن التخطيط لاغتيال شخصية سياسية في مستوى علي عبدالله صالح، أمر ليس بالهين ولم يخلو من سقوط ضحايا ليس لهم في السياسة وأطماعها ناقة ولا جمل، وكنت أنا واحدة من هؤلاء الضحايا لمجرد أني علمت بخطة النفق وسارعت بالإبلاغ عن الجريمة قبل وقوعها فإذا بي أواجه التحقيق أكثر مما واجه المتورطون أنفسهم.

سأتحدث في هذه الحلقة والحلقات القادمة عن التحقيقات التي تمت معي، وماهي ظروف دخولي لمبنى للأمن القومي، والذي لم أخرج منه إلا بعد أربعين يوما, وعن تفاصيل لقائي بالرئيس صالح بعد إطلاق سراحي, وماهي أهم التفاصيل التي سألني عنها وكان حريصا على معرفتها.

بدأت القصة عندما زارني أخي الأكبر فيصل أحمد الكبسي في منزلي الكائن في حي الأصبحي، وكنت ألاحظ أنه كلما يأتي لزيارتي يدخل عند جاري عبدالرزاق المحويتي وهو أحد حراسة منزل علي عبدالله صلاح في الثنية

أصبحت زيارات أخي شبه يومية للمحويتي، الذي كان قد بدأ بتأسيس جماعة من معسكر الثنية ومن خارجها تم إيهامهم أن الغرض هو سرقة منزل الزعيم والحصول على، وكان يظهر دوره لأفراد العصابة بأنه صاحب الفكرة وزعيم العصابة عمليا، والمخطط والمنفذ كما أنه الوحيد من أفراد العصابة الذي كان لديه دافع قوي، بسبب خلاف كبير نشب بينه وبين كنعان يحيى صالح، حيث ضربه كنعان وكسر كتفه، وحبسه أيضا، إلا أن علي عبدالله صالح عنف كنعان على فعله وأنصف عبدالرزاق المحويتي وكان عبد الرزاق يخبر الجميع أنه سينتقم من كنعان بعد تمام المهمة وبسلاح جده (هذا ما عرف بداية، لكن فيما بعد ظهرت حقائق أخرى كثيرة قد لا تنفي ما سبق لكنها تثبت حقائق أخرى وتزيل الكثير من الغموض)

سألت فيصل عن سر هذه الزيارات!! في البداية حاول أن يتحفظ، لكن لأنه يثق بي كثيرا أخبرني أن عبدالرزاق وضع خطة جهنمية لسرقة أحد مخازن السلاح في منزل علي عبدالله صالح، وأنه مطمئن تماما لما يفعل لأن عبدالرزاق يعرف الهدف على وجه الدقة حيث أنه قام بترتيب الأسلحة والمحتويات الأخرى بنفسه، كما أن لديه دعم من داخل منزل صالح، في حال حدث أي شيء أو أثيرت شكوك حول صوت الحفر مثلا أو في حال ظهور أي مفاجآت أخرى، وكان فيصل من جانبه يعتقد أن القصة محبوكة حبكة عالية لتكون الجريمة الكاملة، وبدأ يخبرني بما تم إنجازه حتى تلك اللحظة.

س/ في أي مرحلة تنفيذية علمت أنا بالقصة؟

بداية تم تزوير بطاقة شخصية تحمل صورة فيصل باسم علي حسن الوصابي، بموجبها تم استئجار الأرض التي أقيم عليها الهنجر، والحقيقة أن هذا كلما كانوا يريدونه من فيصل فهو شخص من خارج الثنية وإنسان بسيط جدا لا يوحي شكله بأي قلق فهو مسالم للغاية ولا يحمل سلاحا ولا حتى يرتدي جنبية، وكان يلعب دور مغترب عائد من السعودية من وصاب وبالفعل لهجته وطريقة كلامة تدعم الفكرة، لأنه بالفعل نشأ في السعودية وعاش فيها طويلا .

تم بناء هنجر على أرض اختير مكانها بعناية بجانب مقر شركة سبأ فون التي يمتلكها الشيخ حميد الأحمر لتوجيه أصابع الاتهام إليه في حال انكشاف العملية. تم الحفر بسرية كاملة، وفي ظاهر الأمر أن هذا التاجر الوصابي (فيصل ) سيخزن فيه شحنة أدوات كهربائية سيحضرها لاحقا من السعودية، ومضت الأمور على ما يرام، وبالفعل تم التقصي حول الهنجر وصاحبه من قبل حماية صالح عبر اللواء حمود ناجي فاضل مسؤول الأمن حينها، حتى اطمأنوا للأمر.

أدخلت معدات الحفر والحفارين القادمين من صعدة في ساعة متأخرة من الليل وفي سيارة مقفصة، (وهي ذات السيارة التي كانت تستخدم في التخلص من تراب الحفر).

حينها تم بالفعل حفر فوهة النفق بشكل عمودي بعمق خمسة أمتار تحت الأرض قبل أن يتخذ مسارا أفقيا، كان لابد من أن يكون النفق عميقا حتى لا يشعر أحد بصوت وهزات الحفر. في تلك المرحلة كان لا يزال النفق في نطاق الهنجر، وقرروا إيقاف العمل حتى لا يلفتوا الانتباه، أو هكذا أوهموا فيصل.

في هذه المرحلة تحديدا أنا علمت بالأمر، والحقيقة أن الخبر كان صادما وبقوة، لم يكن الاعتداء على الآخرين أمرا واردا في تربيتنا وأسرتنا، ودهشت من قبول أخي فيصل المشاركة في مثل هذا الفعل، وحتى في التحقيقات قيلت لي هذه الجملة تحديدا، (أنت وفيصل لابتوباتكم وتلفوناتكم كلها أشعار وكتب وثقافة ايش دخلكم في قضية مثل هي؟!!) وه وتساؤل منطقي بالفعل، لكن هكذا شاءت الأقدار..

حقيقة كنت متعاطفة مع علي عبدالله صالح في تلك الفترة، بالرغم من أني كنت ممن قالوا “ارحل” في 2011 لكن عندما سقطت أقنعة الثوار، تراجعت وخفت كثيرا وصدقت تحذير صالح بأنهم يريدون صوملة اليمن وكل ما كان يحاول صاله إيصاله لنا من ويلات تختبئ خلف ما يسمى بالربيع العربي.

هاجمت فيصل بصراحة ورفضت أن يستمر معهم في هذه الجريمة البشعة، وحاولت أن أقنعه أنه مغرر به، وأنه من المستحيل أن يكون أمر سرقة علي عبدالله صالح بهذه السهولة التي يخطط لها وينفذها عسكري عنده، قال أن الجماعة استفتوا شيخا أحل لهم سرقة علي عبدالله صالح لأنه سرق البلاد، بالتأكيد حركة مريضة وغير مقنعة ولا كافية أن نحلل ما نشاء وقت ما نشاء.

دخلنا في نقاش حاد استطعت من خلال هذا النقاش أن أقنعه بوجود خلل وتسأؤلات منطقية فنحن نعرف بيت المحويتي و نعرف ظروفهم المادية المتدنية فمن أين لعبدالرزاق أن يتحمل تكاليف العملية، وإذا كان هناك داعم هدفه السرقة، فمن غير المعقول أن يخسر ليتقاسم معكم أو يعطيكم من الغنيمة ما يغنيكم، بل سيرمي لكم الفتات لا أكثر، وماذا لو كان هناك هدف آخر غير السرقة، ربما اقتحام المنزل وقتل صالح في عقر داره، لماذا نشارك في إزهاق روح؟! مهما فعل لسنا معنيين بمحاسبة أحد، ولا بتصفية حسابات الآخرين مع بعضهم البعض، وماذا لو كان الهدف تلغيم النفق واغتيال صالح عبر نسف منزله، فكم من الأرواح والأطفال والنساء في ذلك المنزل غير الشخص المستهدف؟ وماذا عن البيوت التي عبر من تحتها النفق وماذا عن حياة من يسكنونها؟ خاصة أنه في تلك الفترة كان يتم الإعداد لزواج أحد أبناء صالح وكانوا ينوون إتمام المهمة في هذا التوقيت تحديدا، نظرا لانشغال الجميع، ولأن المناسبة العرس ستجمع كل عفاشي على وجه الأرض وكبار قيادات المؤتمر والدولة أيضا.

حاول أن يطمئنني أن كل شيء محسوب حسابه، لكنني أكيدة أني جعلته يفكر، فقد اتصل بي بعد أن تركني بساعات ليخبرني أنه التقى بالعصابة واختلف مع أحدهم ويدعى عبدالمجيد دبيش ، وأن الأخير هدده بالقتل فطلب منه عبدالرزاق المحويتي ألا يقترب من الهنجر مرة أخرى تفاديا للمشاكل مع دبيش، واتضحت الصورة بأنهم اختلقوا المشكلة للخلاص منه وأن مهمته في أن يكون الواجهة الاجتماعية الراقية البعيدة عن الشبهات قد انتهت.

الجدير بالذكر أن دبيش كان من صعده، وهو حلقة الوصل بين العصابة والممول.

وبالرغم من أن علاقة فيصل بقيت جيدة بعبدالرزاق المحويتي إلا أنه لم يكن مقتنعا بأن منعه من التواجد في الهنجر أمرا مقبولا أيا كانت الأسباب، لذلك ذهب بعد أيام قليلة وعلى غفلة، فوجد أن النفق قد انطلق بسرعة البرق وانه قد اخترق أسوار منزل صالح وتعدى الهدف.

كان الاتفاق أن يتم تأجيل الحفر شهر على الأقل حتى لا تتجه الانظار نحو الهنجر، لكن هذا لم يتم وبالرغم من تواصله المستمر بعبد الرزاق المحويتي إلا أنه لم يذكر أمامه انهم استأنفوا الحفر، وللقصة بقية

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى