الأقيال

رحل -عبدالعزيز المقالح آخر حكماء اليمن. مبشرا…


رحل -عبدالعزيز المقالح آخر حكماء اليمن. مبشرا
بفكرتين ظل أمينأً لهما حتى آخر نفس في حياته

مـصـطـفـۍ مـحـمـود

أخيراً، رحل البطل التنويري “عبدالعزيز المقالح الفيلسوف والشاعر والقاص والرسام واللغوي والناقد والسياسي والمؤرخ العلمي للتأريخ اليمني ، تاركاً عصر المهزومين للمهزومين، منتصراً لوحده بيمنيته التي لم تبلى، وبطفولته التي لم تكبر، وبتفاؤله الفطري الذي لم يصدأ. غادر مكتبه الصباحي المشمس جوار أشجار الظل ، لينغرس عميقاً في ذاكرتنا القادمة، وفي إدراكنا القادم لصورة عالمنا اللا بطولي !.. لا أراه إلا بطلاً تنويرياً امتزج فيه المعنى والعبث بعفويةٍ لا تجاريها الا زقزقات العصافير غير المكترثة بآثام البشر تحتها. كان يرفض القبح البشري حد الحب، وكان يعبد النبل البشري حد الثمالة!

توقف قلبه المأزوم في إعماق لليل صنعاء الممزق بشظايا قنابل الحوثيين وهمجيتهم ومليشياتهم الأراذل، … صنعاء التي اتخذها وطناً بديلاً عن
بيت المقالح وعن مدينة آب وعن محافظة تعز
، وأقام فيها جمهورية التنوير و الحب والتسامح والفكر المزدهر، مختزلاً شوطه الأسطوري في بلاد السعيده بخيار طالما ردده مبتسماً: (( التعليم هو الحل الامثل لليمن وكرس حياته للتنوير و للدفاع عن الهويه القوميه اليمنيه المسالمة، بلا دماء ، وبلا ضوضاء..!!)) مزج “المقالح ” المادية التأريخية بالحس الشعبي الراصد لتقلبات الشخصية في إطارها السوسيولوجي، فكان أن ابدع مذهباً مدهشاً تلاقح فيه الهويه اليمتيه بالآدب ، وكان أن أرسى منهجاً ممتعاً يحلل أكثر آثام الآمامه الكهنوتيه خزياً بمجهر المعرفه

أسهم في تأسيس جامعه صنعاء أولى مؤسسه التعليم العالي وعمل قبلها معلماً جوالاً في مدارس صنعاء القديمه منذ أواسط ألخمسينيات القرن الماضي، مبشراً بفكرتين ظل أمينأً لهما حتى آخر نفس في حياته وهي: “العلم ” و”الهويه اليمنيه”، فكان إماماً “تنويريا ” تبعه الفقراء والموسرون والمتعلمون والأميون والملحدون والمتدينون على حد سواء. وظل كذلك حتى النهار الأخير يمزج البساطة بالتفلسف على نحو فريد، فكان بيته مزاراً لكل النماذج البشرية الباحثة عن المعرفه او مشورة أو تعاطف أو وقفة تضامن وأمان، بصرف النظر عن عمرها أو ثقافتها أو انتمائها.

كان متيقناً تماماً أن عالمنا هذا يمكن انقاذه من غباء الطبقه السياسيه والنخب اليمنيه لو اجتمع.. ابو محمد الهمداني ونشوان الحميري وعلي بن الفضل وثوار سبتمبر واكتوبر على طاولة واحدة، وتبادلوا الأسرار والمشاعر والأفكار حد الامتزاج والتماهي، ثم خرجوا إلى اليمنيين بفريق واحد يعيد بعث الهويه القوميه اليمنيه وينهي الفوضۍ الحاليه .. كان يؤمن ببساطة أن ديناميات الصراع اليمني ستقلب الطاولة على أي مؤسسة سلاليه كهنوتيه او مناطقيه او حزبيه او استخباراتيه (محلية أو عابرة للقارات) تحاول عصب عيون التأريخ وحرفه عن درب القوميه اليمنيه “الحتمي”.

نقرأ في كتبه ومقالاته قاطبة فكرة واحدة مركزية تستتر خلف السطور: ((الأمامه الكهنوتيه حادثة سياسيه غير ضرورية كأي جرثومة تم اكتشافها ومعرفة أسباب نشوئها وانتشارها، وحان وقت الحجر عليها وافنائها)).

ففي كتاباته أعاد قراءة تأريخ الأحزاب السياسية التي نشأت بعد وفاة النبي محمد، محرراً إياه من الإطار اللاعقلاني الساذج الذي لطالما اعتقل فيه، مانحاً للدوافع البشرية المجتمعية الحق في تفسير الظاهرة الدينية على أرضية تطورية متينة من تفاعل الغريزة الجدلي بالنظام الاقتصادي والمنظومات القيمية السائدة.

التحق “ألمقالح ” بحلم الدوله المدنيه الأبديه ، تاركاًُ ضحكاته وحكاياته وطريقته الفذة في النظر للإنسان، تبلل أبصارنا وأسماعنا، وكأنه قرر منذ البداية أن لا يموت أبداً، لأنه كان يعلم أن الموت نهاية بيولوجية فحسب، فيما الحياة خيار مفتوح يستحق التخصيب والتخليد. ولذلك كنت اجده على الدوام بطلاً مقامراً من النوع الذي لم يعرف طعم الخسارة، لأنه حقن نفسه بمصل الهزيمة منذ البداية، فانتصر على كل شيء، وجاء غيابه الأخير أشبه باحتفالية متوقعة نقلته الى حديقة الحضور الأبدي!

قبضة من دموع عاقلة أرشها على تربتك الأخيرة ليس حزناً، وانما اعتذاراً عن عالم غافل لم ينصفك ، ولم يتوقف ما يكفي عند صوفيتك التي امتزجت بنزعة ثوريه رومانسية لونت كل وردة نضحت من عقلك الجميل والباهر والكوني. ولذلك أحبك كثيراً، وسأظل منحنياً لك أروي ثراك بأيامي، وأحلم بعالمك البطولي الذي لن يفارقني!

مصطفۍ محمود


يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

‫31 تعليقات

  1. رحمة الله تغشاه
    ‏جمهوريّاً جئتُ
    وجمهوريّاً عشتُ
    وجمهوريّاً سأموتْ
    أؤمنُ باللهِ العادلْ،
    وبأنَّ الناسَ سواسيةٌ في الحبِّ
    سواسيةٌ في الخبزِ
    سواسيةٌ في الموتِ
    سواسيةٌ في الجنَّةِ أو في النّارْ..

    #عبدالعزيز_المقالح

  2. البقاء لله
    تغمده الله بواسع رحمته واسكنه الجنة وعزائنا بفقدان اليمن والوطن العربي هامه شعرية وادبية وثقافية عملاقة شامخة كالدكتور عبدالعزيز المقالح .
    وإنا لله وإنا إليه راجعون

  3. أحسنت استاذ مصطفى تحليل منطقي وعلمي وتاريخي …رحمه الله أيقونة ثورة سبتمبر لقد كان مقاله الاسبوعي في صحيفة الثوره وصحيفة ثورة 26 سبتمبر من أشهى الوجبات بالنسبه لي حيث تعرفت على مفردات الثوره وتاريخها وابطالها وايضا أظهر خطورة الامامه الكهنوتيه السلاليه العنصريه على اليمن والتاريخ الأسود المخزي للامامه رحمه الله رحمة الأبرار وتعازينا لكل محبيه

  4. سلمت يمينك ماذا تركت للعين والقلب من شعور ودموع حروفك الرقيقه اجهشتنا بالبكاء اطال الله عمرك ولا عدمنا قلمك ورحمه الله على الدكتور عبد العزيز المقالح

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى