توعية وتثقيف

جولة فى تاريخ البشريه (١)…


جولة فى تاريخ البشريه (١)

لم تكن الدنيا دائماً كما هي الآن – قبل حوالى عشرة آلاف سنة كان المجتمع البشري يتكون من مجموعات صغيرة متنقلة، كل شاغلهم فى الحياة هو العثور على شيئ يأكلوه. إما بالصيد، (وكانت هذه مهمة الذكور)، أو بجمع الثمار والبذور والجذور، (مهمة الإناث). كانت الحياة قاسية وقصيرة، نادراً ما تتعدى ٣٠ سنة، وكان الناس بسبب شحة الغذاء صغار الحجم، لا يزيد طول قاماتهم عن ١٣٠ سنتيمتر، وقليلوا العدد، لا يزيدوا عن بضعة عشرات الآلاف فى العالم بأكمله.

ظلت البشرية على هذا الحال نحو مئتي ألف سنة دون تغيير يُذكر، إلى أن فطن شخص عبقري (أغلب الظن إمرأة) إلى أن الأعشاب والجذور التى يشْقون فى البحث عنها يمكن إستنباتها، وأن الحيوانات والطيور التى يتعبون فى صيدها يمكن إستئناسها. كانت تلك اللحظة أعظم قفزة حضارية فى تاريخ البشرية على الإطلاق، أدت إلى إنطلاق التغير الاجتماعى والإقتصادى والتكنولوچى كالصاروخ بعد مئتي ألف سنة من الركود.

لأول مرة أصبح إنتاج الفرد من الطعام يفوق إحتياجه الشخصي ويكفى لإطعام آخرين، مما مكن هؤلاء الآخرين من التفرغ لأعمال أخرى مثل النسج والحدادة والتطبيب. كانت تلك البداية المتواضعة مجرد نقطة إنطلاق أدت فيما بعد إلى تفرغ آخرين للعلم والتعليم والبحث والإختراع والصناعة. بإختصار – كان فائض الغذاء هذا هو حجر الأساس الذى نشأت عليه الحضارة الإنسانيه. صحيح أن قفزات أخرى حدثت فيما بعد ، مثل الطفرة العلمية / الصناعية. لكن التأثير النسبي لهذه الطفرات لم يكن مكافئاً لتأثير الطفرة الزراعية، فضلاً عن أنها لم تكن ستحدث لولا إكتشاف الزراعة أساساً.

بدأت هذه الثورة التى شكلت مصير البشرية فى وادى النيل ومنطقة الرافدين، ثم إنتشرت بعد ذلك فى حزام جغرافي يمتد من جنوب الصين إلى أمريكا الوسطى. قرب الأنهار إنتشرت زراعة المحاصيل، أما الذين كانوا يعيشون بعيداً عن الأنهار فإشتغلوا بتربية الحيوانات (الرعي). إستقر الناس فى مزارع وقرى، وظهرت الملكية الخاصة والمبادلة والتجارة ثم النقود فيما بعد. ومع ترسخ الملكية الخاصة تكونت طبقات، فأصبح هناك ملاك وعمال بالأجر. وظهرت الحاجة إلى نوع من الحكومة تتولى تنظيم الأسواق والتحكيم بين المتنازعين وعقاب من ينتهك قدسية الملكية الخاصه.

لم يتحول جميع البشر من الترحال إلى الزراعة والرعي. وفطن البعض إلى أن غزو المجتمعات الزراعية ونهبها أسهل من إنتاج الطعام بأنفسهم. وعلى جانبي هذا الصراع تحالفت العشائر لتكوين قبائل أكثر قدرة على الدفاع (أو الغزو)، ثم تكونت دول أكثر قدرة من القبائل. هكذا تطورت التركيبة الإجتماعية من عائلة إلى عشيرة (تضم دائرة أوسع من الأقارب والأنساب،) إلى قبيلة (تضم مجموعة من العشائر إنحدرت من جد مشترك،) إلى دولة (تضم عدداً من من القبائل تجمعها جغرافية واحدة أو ثقافة أو عقيدة مشتركه.) ومع نشأة الدول ظهرت المدن بكثافتها السكانية العالية كمراكز تفريخ للفكر والإبتكار والتقدم.

هذا هو الإطار العام للتطور البشري، وهو إطار تساعد معرفته على تفهم مختلف الظواهر الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والدينية التى حدثت على مدى العصور. قد تخطر للقارئ تساؤلات: كيف نعرف هذا؟ ما هي التقنيات التى يستعملها العلم لدراسة الماضى السحيق؟ ما مدى الثقة فى صحة هذه المعلومات؟ ما تأثير هذا الإطار الفكري على فهم العلاقات الإنسانية؟ إلخ … . أدعو الأصدقاء إلى طرح تساؤلاتهم لنناقشها فى تعليقات قادمة، كما أرحب بالنقد والإضافة والتصحيح.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Farid Matta فريد متا

كاتب ادبي

‫11 تعليقات

  1. سرد منطقي جميل.. شاهدت يوما برنامج تلفزيوني عن اختراع المدن.. الحياة في المدينة بدلا من العيش الانفرادي العشوائي ايضا كان اختراع في سياق التطور الحضاري لعيش البشر

  2. صحيح ١٠٠ ٪ قبل ٣٠ الف سنة كانوا يتناقلون كالحيوانات { زمر } بحثا عن الطعام والمأوى عددهم لا يتجاوز بين ١٠ و ١٥ فردا .. كل شئ للنقاش

  3. و منذ تلك البدايه احتاج الناس الى اختيار من يقوم على ضبط تصرفاتهم فيما بينهم و كان انتخاب رئيس العشيرة ثم القبيله و تدرجت الى الحكومات و الدول و بذلك يكون الأصل فى الحاجه الى الحكومات هو تنظيم احتياجات الرعبه و كان تنازل الأفراد عن بعض حقوقهم لهذه الحكومات مقابل هذا العمل التنظيمي و ليس فرض سيطرتها او غلوها فى الحكم. ولكنه الانسان ما أقبحه.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى