مجتمع الميم

مؤتمر المناخ وفيضان القضايا الحقوقية – ترانسات Transat


كتبت كيلي م:

 

من المؤلم أن يحارب الجميع من أجل اخفائنا وتصويرنا كمجتمع الميم-عين على أننا شياطين، وكأننا المسبب الرئيسي للقضاء على البشرية فقط لمجرد تواجدنا في الحياة، وخوفهم ذاك يجعلهم أكثر عنفًا تجاهنا وأكثر أذىً لنا بشكل لفظي، جسدي ومعنوي، إلى حدٍ يصل إلى جرائم كراهية ضد الإنسانية، في حين يتجاهلون الكارثة البيئية التي تنذر بانقراض البشرية ومعها أغلب الكائنات الحية على هذا الكوكب ويتعاملون معها باستخفاف واستهتار شديد! كم أن هذا الشعور مزعج أكثر من انزعاجي الجندري، حتى صرت لا أعلم أيًا من القضايا أعطيها أولوية في حياتي، ولطالما كنت أشعر أنه لا يمكننا الدفاع عن كل القضايا في آن واحد وأنه في بعض الأحيان يتطلب الأمر تأجيل بعض القضايا حتى تسنح الظروف، ولكن على مدار العقد السابق وتشابك طريقي مع طرق الآخرين تبدت تلك الفكرة تدريجيًا وأصبح لدي قناعة بأنه لا يمكنني الدفاع من أجل حرية بعض الأشخاص على حساب البعض الآخر، وذلك لأن الحق في الحرية هو حق كل إنسان كما هو حقي، ولا أمتلك السلطة كي أقرر من يجب أن تحصل على حريتها بعدي أو قبلي ولكن علينا الدفاع عن حرياتنا جميعًا سويًا.

منذ عدة أيام انطلق مؤتمر المناخ العالمي COP27 في شرم الشيخ بمصر، وذلك الحدث يحَّمِلُّني الكثير من المشاعر المتضاربة ما بين ألم وترقب ممزوج بخوف مشروع ويأس محاط بأمل ساذج. وأيضًا يأتي معه الكثير من التساؤلات. سوف استطرد فيما يلي لماذا كل ذلك التضارب وما يربط كل تلك القضايا سويًا ولكن قبل ذلك يجدر بنا تعريف القضية البيئية وتاريخ المؤتمر وأهميته.

 

السلحفاة والشاليمو والقضية البيئية

 

ربما تختزل القضية البيئية في عالمنا العربي على أنها “إنقاذ السلحفاة من الشاليمو البلاستيك”، وأن هنالك مشاكل أهم كالفقر والجوع والجفاف والصحة والتعليم وتدهور المناخ السياسي، وكل ذلك أجدر بالاهتمام من محض سلحفاة. وبالرغم من نبل الدفاع عن حق السلحفاة في حياة آمنة ولكن القضية البيئية أكثر تعقيدًا، وهي تحمل في طياتها بصور مباشرة كل المشاكل السابقة، فيمكن بنظرة مختزلة وخاطفة أن نرى ذلك التشابك بصورة ربما أوضح قليلًا: اعتمادنا على الوقود الأحفوري في توليد الطاقة وإنتاج البلاستيك ينتج عنهما زيادة هائلة في الغازات الدفيئة والتي بدورها تساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري مما يعني زيادة درجات الحرارة على الكوكب، ومن ثم جفاف الكثير من مصادر المياه النظيفة، بجانب تلوث المياه نتيجة التخلص غير الآمن من المخلفات (الكيميائية والنووية والبلاستيكية والكهربية… إلخ) والتي تضر بالحياة البحرية كلها وليس بالسلحفاة فقط، وبالتالي فإن تهديد الحياة البحرية يعتبر  بشكل ما تهديدًا للحياة على الكوكب بأكمله. فهي تعمل على امتصاص الكثير من الغازات الدفيئة على الكوكب، بجانب أنها ثالث أهم مصدر للبروتين الغذائي للبشر على مستوى العالم -تسبق الدجاج- (مع العلم بأن الحياة البحرية مهددة بالانقراض كليًا نحو عام 2048) مما يساهم حاليًا في نقص الموارد الغذائية، ومن ثم الجوع، ومع الندرة تزداد الأسعار ،وتزداد صعوبة الحصول عليها، مما يؤدي إلى تفحش الفقر . والتي تحاول إخفاءه أنظمة الحكم الاستبدادية الأحادية التي لا تقبل بالحوار ولا تساهم في التخطيط المستدام الذي من شأنه الحفاظ على الموارد والأمن الغذائي وتأمين مستوى معيشة آدمي. وعلى العكس تقوم بالقمع وكتم الأصوات عن طريق تعذيب، وحبس، وفي أحيان كثيرة قتل الأصوات المغايرة لها مما يتسبب في تدهور الحياة السياسية. كل هذا لا يفي بمدى تعقيد القضية البيئية، ولكن من شأنه تعزيز وضع القضية البيئية؛ كأولوية لا كرفاهية، بجانب العنصرية تجاه مجتمع الميم-عين وندرة الفرص المتاحة للعمل وفرص الحياة بشكل عام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وربما في العالم أجمع مما يجعلنا أكثر عرضة وأكثر هشاشة في مواجهة مخاطر التغير المناخي ويعمل على تهميش قضايانا وكأنها قضايا فرعية.

 

موجز تاريخ مؤتمر المناخ العالمي – COP

 

من مخاض نهاية الحرب الباردة وتحديدًا عام 1992 بدأ العالم في النظر إلى القضية البيئية وخصوصًا في قمة الأرض بريو دي جانيرو، والتي تمت بمشاركة ساسة وعلماء ومنظمات العمل المدني من 179 دولة، والتي عُقدت بمناسبة الذكرى العشرين للمؤتمر الأول المعني بالبيئة البشرية في ستوكهولم- السويد عام 1972.

 إعلان ريو والوثائق الأخرى التي نتجت من تلك القمة تعد إحدى إنجازات القمة، بجانب ولادة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المعنية بتغير المناخ والذي نتج عنها لاحقًا مؤتمر المناخ العالمي، وهو مؤتمر يضم رؤساء الدول المشاركة، والساسة والقادة، ومنظمات المجتمع المدني، على أن ينعقد سنويًا لمناقشة القضية البيئية، وبالفعل عُقد المؤتمر العالمي للمناخ الأول COP1 ببرلين العاصمة الألمانية – التي كانت قد اتحدت حديثًا مرة أخرى آن ذاك – وبناءًا عليه خرج المؤتمر وقتها ببعض الالتزامات الغير مُحَدِدَة وبعض المبادرات بدون خارطة طريق واضحة. ولعل أشهر إنجاز حققه المؤتمر عبر تاريخه كانت اتفاقية باريس عام 2012 والتي ضمت 196 دولة، والتي اتفقت (في معاهدة ملزمة قانونيًا لأول مرة) على أهداف مُحَدَدَة. وبالرغم من أن الكثيرات/ين يروا أنها اتفاقية ضعيفة ولا تكفي لمواجهة الأزمة، فقد كان لها تأثير ملحوظ وكان يعَّد بريق أمل لخطوة أولى على الطريق الصحيح!

 

مؤتمر المناخ العالمي 26 جلاسكو – COP26

 

بعد انتهاء COP26 في جلاسكو العام الماضي جاءت نتائجه مخيبة للآمال، بالرغم من وجود بعض الإيجابيات والتي كانت تخص إتفاق الحكومات على التخلص التدريجي من أكبر مسببات التغير المناخي (الفحم) لتحقيق العدالة المناخية، ويمكن الإطلاع على نتائج المؤتمر بشكل مفصل من خلال تقرير مؤسسة غرينبيس. لكن ما كان بالفعل مخيب للآمال هو أن الأهداف الخاصة بالدول لم تستطع الحفاظ على الارتفاع في درجات الحرارة لـ 1.5 درجة مئوية المتفق عليها في باريس، وتم الاتفاق على مراجعة الأهداف مرة أخرى بعد سنة بدلًا من كل خمس سنوات مما يعني أنه سيتم مراجعتها في COP27 المقام بشرم الشيخ.

الجدير بالذكر أن الفارق بين ارتفاع درجات الحرارة على الكوكب لأكثر من 2°م بدلًا من 1.5°م عواقبه مدمرة في أقل تقدير، ويمكن الإطلاع عليها من خلال تقرير جريدة رويترز “شرح: الفارق بين 1.5°م و 2°م من الاحتباس الحراري”

 

مناخ مؤتمر المناخ العالمي 27 شرم الشيخ – COP27

 

ولذلك فإن مؤتمر المناخ 27 – شرم الشيخ المنعقد ما بين 6-18 نوفمبر 2022 يقف أمام تحديات ضخمة ولها تأثير مباشر على مستقبل الكوكب، وأولها المناخ السياسي الذي ينعقد فيه: بداية من انتهاكات الحكومة المصرية لحقوق الإنسان بشكل فج خلال العقد السابق وعنصرية حادة تجاه جميع الاختلافات سواء سياسية، طبقية، جندرية، ميول جنسية، هوية جندرية، …إلخ وذلك طبقًا لتقرير “هيومن رايتس ووتش العالمي 2021” وتقرير “منظمة العفو الدولية 2021” بداية من تكدس المعتقلات بسجناء الرأي وحملات الهجوم الشرسة على الفقراء وعمليات التهجير القسرية في مختلف أنحاء الجمهورية والتي استهدفت الكثير ما بين الطبقة الوسطى وما دونها كما في عزبة نادي الصيد بالإسكندرية، وجزيرة الوراق، ومثلث ماسبيرو وأيضًا الحملة الهجومية الشرسة التي شنتها قوات الأمن على مجتمع الميم واستهدافهمن عن طريق تطبيقات المواعدة وحبسهمن في السجون وتعذيبهمن. وأيضًا حملات الهجوم الممنهجة والشرسة على “فتيات التيك توك” أو ما تعرف بـ “قضايا قيم الأسرة المصرية” وحبسهن استنادًا إلى قوانين ومصطلحات غير محددة، وأيضًا الانتهاكات والتهميش الذي يتعرض له السكان الأصليين وسكان المناطق النائية وذلك كما صدر في بيان المبادرة المصرية للحقوق الشخصية “منظمات حقوقية: لا يمكن التغافل عن معاناة أهل سيناء أثناء قمة المناخ المنعقدة على أرضها”. ومن الواضح أن هناك ضغوطات دولية على النظام المصري لأي محاولات لتبييض وجه النظام المصري قبل المؤتمر ، وهي السياسة التي اتبعتها الحكومة المصرية في محاولة الدعاية والتسويق عن طريق “التقنع البيئي” أو ما يعرف بـ”الغسيل الأخضر – Greenwashing” والتي بدأت بالمشاريع البيئية التي ظهرت بشكل مفاجئ على قمة أجندة المشاريع الحكومية منذ نهاية العام الماضي، ويتم استكمالها بمسرحية الإصلاح السياسي وإعادة تفعيل دور “لجنة العفو الرئاسي” والتي لا نرى منها أي رجاء حقيقي.

على صعيد آخر هناك أيضًا المناخ العالمي في أعتاب وحشية غزو النظام الروسي لأوكرانيا، وفي ظل تفاقم أزمة الطاقة وتدهور الوضع الإقتصادي العالمي، وربما قد تستغلها الكثير من الدول كحجة للهروب من التزامات دولية، كما تم استغلال جائحة كورونا في COP26 العام الماضي، أيضًا زاد فوز اليمين المتطرف في الانتخابات الإيطالية من حدة التوتر، وشتان على النقيض فوز لويس إيناسيو لولا دا سيلفا على جايير بولسونارو في الانتخابات الرئاسية بالبرازيل يعطي بعض من الأمل لإنقاذ غابات الأمازون من الإزالة الجائرة وتحسن أوضاع مجتمع الميم-عين، وخاصة بعد فوز إيريكا هيلتون ودودا سالابيرت العابرات جندريًا بمقاعد في مجلس النواب البرازيلي لأول مرة في أمريكا اللاتينية، وأما على الجانب الآسيوي هناك اندلاع الثورات النسوية في إيران وأفغانستان تجاه السلطوية الذكورية التي تتحكم في أجسادهن وحياتهن.

 

ما بين الألم المبرح والأمل الساذج

 

كل تلك الأوضاع المحلية والعالمية باتت تجعلني مستنزفة عقليًا ونفسيًا وتحمّلني بالألم والذعر من الهزيمة السابقة – التي لازالت تطاردني – ولكن في خضَّم ذلك الظلام الحالك أرى شتات الأمل حتى ولو ساذج. أنا لا أملك رفاهية تجاهل كل تلك القضايا والتي تخصني وتقاطعني يوميًا – حتى إن لم أرغب – وأثرها عليَّ لحظي وملموس بدون شك، ولكن لا يمكن تأجيل الحديث عن القمع ولا يمكن تجاهله أكثر من ذلك من قبل أي شخص، حيث أن عواقبه  قريبة حتى وإن كانت غير منظورة، فيتحتَّم مواجهة جميع الأزمات، كالقهر الديني والطائفي والطبقي والعرقي والجندري وعلى أساس الهوية الجندرية والميول الجنسية، وكالأبوية السلطوية الذكورية ويتحتم الدفاع عن حرية التعبير والقضية البيئية وحقوق السكان الأصليين وجميع المهمشين، والسلحفاة كذلك، … إلخ، كل تلك القضايا هي في الحقيقة واحدة ولا يمكن نجاح إحداها بدون الأخرى حتى وإن كان ذلك يداعب المستحيل في خضم معركة يسعى فيها البعض للحصول على ما يخصه من نفس الحرية دون الباقيين، لكن احتكار القهر على أي من أولئك لن يجدي نفعًا، ولا أسعى الدخول في سباق حول الأكثر تضررًا أو الأجدر بالمساواة؟

إننا نقف أمام معركة صرنا فيها الخصم والمخصوم، نعارك أنفسنا ونتفاوض مع ذواتنا من أجل بقائنا، ولكن المؤتمر يعطي فرصة للبشرية كي تستعيد فيها إنسانيتها، علَّ ذلك العالم يتأمل قسوته التي صارحته به سارة حجازي، ويتعزز بتسامحها العذب معه. فلا يهدر روح علاء عبدالفتاح (الذي صعد إضرابه عن الطعام والماء بدءًا من يوم 6 نوفمبر الماضي وحياته الآن في خطر داهم) وكل القابعات/ين في المعتقلات – بدون وجه حق – بدءًا من الاعتراف بكارثة حقوق الإنسان في مصر الدولة المستضيفة بدلًا من إعطاء السلطة الحاكمة المزيد من الدعم الدولي لممارسة القمع والعنف باسم البيئة، فلا يوجد عدالة مناخية بدون حقوق إنسان!

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

كيلي م.. كاتبة عابرة جندرياً



Source link

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى