كان الناس فى صعيد مصر يستخدمون أسلوب الإلغاء (cancel…


كان الناس فى صعيد مصر يستخدمون أسلوب الإلغاء (cancel culture) فى تعاملهم مع الأمور الشائكه. على سبيل المثال – إذا وقعت فتاة فى حب رجل لم يختاره لها أهلها وهربت معه من القرية، كانت العائلة “تلغيها” من الوجود بالإمتناع عن ذكر إسمها أو سيرتها، وبمحو كل أثر قد يذكرهم أو يذكر الناس بها.

ما كان يفعله أهل الصعيد هو خلق ‘واقع بديل (alternative reality)’ عوضاً عن الواقع الذى لا يريحهم. و الآن فى الولايات المتحدة، على بعد ٥٠٠ سنه و٩٠٠٠ كيلومتر من صعيد مصر، يفعل الأمريكيون نفس الشيئ – يخلقون فى خيالهم “واقعاً بديلاً” عوضاً عن الواقع الفعلي الذى لا يعجبهم. (ليس كل الأمريكيين لحسن الحظ، لكن قطاع واسع من الجمهوريين.)

فى هذا “الواقع البديل” ترامب قد كسب الإنتخابات، (هو فى الحقيقة خسرها). كيف تقول هذا يا مستر چون، بينما هناك رئيس آخر فى البيت الأبيض؟ الإجابة: “أعداء ترامب زيفوا الإنتخابات.” كيف تقولين هذا يا مس مارى وأمريكا فيها آلاف الجرائد وشبكات الإعلام الحرة ولم يذكر أيها شيئاً عن هذا؟ الإجابه: “كلهم داخلين فى مؤامرة ضد ترامب.” وقد بلغ الجنون مداه مؤخراً فى إيمانهم بأن إبن الرئيس كِنيدى سيقوم من الأموات ليصبح نائباً لترامپ.

ما كان يحدث فى صعيد مصر هي قصص طريفة تثير الإبتسام. أما ما يحدث فى اليمين الأمريكى الآن فهو جنون رسمى … مورستان … سرايا صفرا… كأنك تشاهد عملية إنتحار فكرى جماعى. ولا يقتصر الأمر على موضوع الإنتخابات بل يمتد إلى أمور أكثر خطوره: “كوڤيد-١٩ ما هو إلا أكذوبة للتشهير بترامپ”، (الحقيقه هي أن أكثر من ٧٠٠ ألف أمريكى ماتوا من كوڤيد-١٩.) “الديموقراطيون يأكلون الأطفال”. (الحقيقة أنهم يأكلون سلَطة الخضروات.) “ترامپ سيعود إلى البيت الأبيض فى عربة نارية (chariot of fire) يوم ٢٠ يناير.” … (بعد أن يمر هذا التاريخ يقولون ١٥ مارس… ثم ١٧ سبتمبر … وهكذا.) هذه عينة من النوادر المضحكة-المبكيه، لكن هناك ما يملأ مجلدات.

ولا يقتصر الأمر على اليمين الأمريكى، بل وصل إلى مصر أيضاً. جاءتنى رسالة إلكترونية من أحد مشاهير المثقفين المصريين (*) كلها تأنيب للمصريين فى أمريكا الذين لم يعطوا أصواتهم لترامب. “ما قولكم الآن يا أغبياء وقد دمر بايدن أمريكا وحولها إلى خرابة ينعق فيها البوم بعد أن كانت على قمة المجد والعظمة فى عهد ترامپ؟”(**) على أي كوكب يعيش الرجل؟ لا أعلم.
_________________
*) لم تكن الرسالة موجهةً لى شخصياً، بل لقائمة من مريديه لا أعرف كيف دخلتُها.
**) إحقاقاً للحق هذه الكلمات من عندى، لكنها تعبر عن فحوى الرسالة (مع قدر لا بأس به من المبالغة.)

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version