مجتمع الميم

عن الشَعر والفن والكويرية – My Kali


English

مقابلة بقلم جمال – من بودكاست جنس
ترجمة نوارة ب.
تصوير: أحمد عمر
هذا المقال من ملف ‘شعري يا شعري’ – هيكل العدد 
هنا

مرتكزًا عند تقاطع العديد من الهويات، يعتبر أحمد عمر (هو / هي / هم) فنان أداء موهوب متعدد التخصصات، يعمل عمر بمختلف الوسائط والمنصات في موضوعات الهوية والجنسانية والسلطة مستلهمًا ذلك من تربيته المعقدة غير الثنائية بين السودان والسعودية والحياة في النرويج. يلعب أحمد بقواعد الجسد والعقل لاستكشاف مجالات الجندر والدين والثقافة والسلطة بشكل محوري. كما يلعب  على أوتار العقل والجسد أيضًا، كما ظهر في معرضه في أوسلو (٢٠٢٢) المسمى “Ruqyah رُقيَة” (والذي تم عرضه على غلاف مجلتنا) متمحورًا حول المناجاة باسم الله لتخفيف الأسقام الجسمية والروحية.

تم تصوير مسار عمر المهني والفني الغني في فيلم وثائقي عن حياته أُطلق عليه اسم The Art of Sin (٢٠٢٠). بالإضافة إلى ذلك، يشارك عمر قصته في فصل من كتاب This Arab Is Queer (٢٠٢٢) وهو كتاب يقدم مختارات لكتاب “عرب” من مجتمع الميم من إعداد إلياس جهشان، والذي تم نشره من قبل مكتبة الساقي حديثًا. في كلا العملين يمكنكم/ن استكشاف حقيقة أن الآلم الذي يقف وراء أعماله الفنية لا يقلل من تألقها بل يزيدها بريقا. 

الشعر كموضوع لهذا العدد، هو بالتأكيد وسيلة مهمة للتعبير عن الذات، وهو وسيلة ذات دلالات ثقافية عديدة، ومن نواح كثيرة يعتبر الشعر لغة كويرية وشكلًا من أشكال التواصل. عند مشاهدة فن عمر ستلاحظ اهتمامه بالتفاصيل ومركزية الشعر في مسلكه سواءً من خلال أعماله الفنية أو تعبيره في وسائل التواصل الاجتماعية، ولفهم طريقة عمر الساحرة غي توظيفه لشعره أجرينا معه هذه المقابلة، التي يتحدث فيها عن ممارسات الشَعر الخاصة به ودورها في إعادة الصياغة والتعليق على علاقته مع نفسه وثقافته وتربيته من خلال فنه أيضا.

تصوير أحمد عمر

قبل أن نسهب في عملك وإنجازاتك كفنان ومؤدٍ، هل يمكنك إخبارنا بالمزيد عن خلفيتك وكيف وصلت إلى ما أنت عليه اليوم؟

لقد نشأت بين السعودية والسودان، خلال سنوات مراهقتي عشت مع أسرة محافظة جدًا أرادت السكن بالقرب من المسجد الحرام في مكة، وفي السودان عشت وسط أسرة صوفية تقليدية تمامًا.

بدأت رحلتي من اللحظة التي أعلنت فيها كوني مثليًا بعد سنوات عديدة من التشكيك في هويتي، لم يدير أفراد الأسرة ظهورهم لي فحسب بل كانو أقرب لإشهار سيوفهم علي، كلما تقدمت في السن أصبح من الأصعب فصل نفسي عن ميولي الجنسي، وحاولت قدر المستطاع تغييرها بالصلاة ولكن دون جدوى.

ظهرت هويتي بالتزامن مع ظهور فني، لا ينفصل الفن عن هويتي المثلية ولاعن كياني ككل، الفن يتعامل مع مشاعري ولم أرى نفسي أبدًا إلا كفنان حيث أعطاني الفن على مر السنين لغةً يمكنني تحدثها بطلاقة، يمكن تعريفي كفنان كويري لكن في نهاية المطاف إن ما أصنع مجرد فن صنعه شخص كويري.

كونك كويريًا في السودان غير قانوني ويعد من المحرمات اجتماعيًا فالمادة 148 من قانون العقوبات السوداني يعاقب المثلية، لقد تحدثت عن مدى الألم الذي أحدثه رفض بلدك وعائلتك لك ولكنك تحدثت أيضًا عن المضي قدمًا، فقد قلتَ في عرض حي قمت به في أوسلو عام 2013 “إن لم يعد لديك عائلة، اصنع عائلتك من الطين.” هذه رسالة قوية وحزينة – هل يمكنك أن تحكي المزيد عنها؟

ينبع هذا الأداء من مثل شعبي عن الأشخاص اللئيمين والذي يقول حرفياً “حتى الطين أفضل منك” لأن الطين لا قيمة له، كان أسلوبي هو إصلاح المشاعر السلبية التي تحصل عليها من الناس والتخلص منها.

كان ابن عمي يهنئني على فنّي لكن عندما رآني أعلن عن مثليتي على صفحتي الشخصية في الفيسبوك انقلب علي وقال أنني “قطعة من الفضلات” وأنه لن يفخر أبدًا بمن يهز عرش الله، تغير سلوك الأسرة كلها بين عشية وضحاها وكان ابن عمي أحد أفراد الأسرة الذين قمت بنحتهم وكذلك أخي وأبي الذي كان رده أشد الردود المؤلمة.

غالبًا ما تخلط وتعيد صياغة التقاليد والتراث من السودان لإنتاج شيء جديد في عملك، فعملك الفني لعام 2016 “ما يدوم! (القبر)” يقع بين تقاطع التأثيرات الفرعونية مع التأثيرات الإسلامية، لقد قمت ببناء تابوت لجسدك لتقليد فراعنة السودان القديم وأنشأت قبرًا بأحرف مختلفة مكتوبة باللغة العربية، كيف خطرت لك فكرة إنشاء هذه القطعة؟

هذا العمل الفني هو جزء من لوحة ثلاثية تم إنشاؤها استجابة لردود الفعل على إعلاني لمثليتي، تمنى بعض أفراد الأسرة المهمين موتي وتساءلت ما الذي يدوم حقًا في الحياة إن تم التخلي عن العلاقات الأسرية وذكريات الحياة وإلقاؤها في النار كما حصل هنا.

يعبر العمل الفني عن التأثير المدمر الذي يفعله رفضك بهويتك، فيه شكّلت جسدي بالكامل على الورق ثم غطيت التابوت بكل الحروف من الآيات القرآنية حول المثلية الجنسية المزعومة، قمت بتزجيجها بطلاء أبيض وأضرمت النار فيها في فرن السيراميك، وبعد احتراقها لا تبقى إلا الآية وعظام الناس الكويريين.

Sculpture What Lasts! (Grave) ​by Ahmed Umar, 2016

لقد عشتَ في سياقات مفعمة بالمعتقدات الإسلامية وأشياء أسطورية مثل الجن واللعنات وما إلى ذلك، كيف ساعدتك أعمالك الفنية مثل “الحجاب – (الحماية السنوية)” (2017) في مفاوضة علاقتك بهذه المعتقدات؟

لقد نشأت في مكة وسط أشد المجتمعات الوهابية التي يمكنك تخيلها، لم نتمكن من مصافحة غير المسلمين وقيل لنا إننا سنذهب إلى الجحيم إذا رأينا شعرة واحدة من جسد المرأة، يحارب الوهابيون كل ما يمكن تتبعه حتى قبل العصر الإسلامي، فحتى المسبحة كانت ممنوعة في السعودية وفضل المعلمون أن أسبح بأصابعي، الجزء الآخر من عائلتي متصوفين وهم يؤمنون بالحماية من خلال التمائم والروحانيات، لفترة طويلة كنت متعمقًا في المعتقدات الوهابية لدرجة أنني اعتقدت أن عائلتي كانت مضلة وانتهى بي الأمر في حيرة من أمري.

في النرويج من 2018 وصاعدًا درست في الأكاديمية الوطنية للفنون، ومنحتني تلك وجهة نظر أخرى حول كيفية امتلاكي لقصتي وإضفاء الطابع الشخصي على أعمالي الفنية كما دفعتني إلى التحلي بالمزيد من الجرأة، الفن بالنسبة لي يفتح الأنظار ويساعد في رؤية الروايات المختلفة.

خلال مسيرة الفخر في عام 2019 ارتديت التمائم التي يرتديها الرجال السودانيون تقليديًا في الاحتفالات حول الخصر والذراع كنت أرغب في الاحتفال بالتراث الثقافي والقبلي السوداني وتسليط الضوء على الفن الإسلامي، أنا أعمل في الواقع على معرض كبير يمثل استمرارًا لسلسلة التميمة مع 99 منحوتة تشير إلى 99 مسبحة و99 اسمًا من أسماء الله الحسنى.

تصوير أحمد عمر

ظهرتَ مؤخرًا أيضًا في فيلم The Art of Sin (٢٠٢٠) والذي يوثق رحلتك الخاصة بشعرك ومنشأك، هل يمكنك إخبارنا بالمزيد عن هذا؟ ما هي جذور المشروع وماذا يعني لك؟

عند التدقيق في موجات الكراهية والتنمر التي عايشتها بعد التصريح عن هويتي الجنسية علنًا، لاحظت نوعًا من التكرار فيما يتعلق بالتشكيك في جنسانيتي، ولاحظت نفس التركيز على وظائف أعضائي الجنسية وتجنب الجانب العاطفي المرتبط بكوني مثليًا، لقد اتُهمت بكوني عاهرًا عابرًا جنسيًا، خاسرًا، مقطوعًا من شجرة، وغير متعلم و وقليل الحياء، وأكثر من ذلك بكثير.

لم يتغير الجهل الذي اضطررت إلى التعامل معه طوال حياتي قبل الانتقال إلى النرويج منذ انتقلت، أدركت أن خسارتي لن تكون خطيرة بقدر خسارة شخص يعيش في السودان أو يعتمد اقتصاديًا أو عاطفيًا على أسرته، لذلك اعتقدت أنني يجب أن أفعل شيئًا حيال هذا المفهوم الخاطئ الذي لا يزال يؤذي المثليين في السودان، لطالما تم التحدث عنا كمجتمع ولكن لم يتم التحدث معنا أبدًا.

لقد تعاونت مع إبراهيم مرسال حيث نتشارك كثيرًا من العوامل كالخلفية المحافظة والدين واللون والعمر، لكننا نختلف في اختيار من نحب، بدأنا بقصد نشر مقاطع فيديو على يوتيوب ثم تطورت الفكرة إلى فيلم كامل استغرق تصويره أربع سنوات، تخلينا عن حذرنا وطرحنا الأسئلة وأجبناها بصدق، تلك الأسئلة كانت التي تم طرحها مرارًا وتكرارًا على وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بي وكذلك بين الأصدقاء في شوارع السودان، كنت أرغب في الإجابة على هذه الأسئلة بشكل مباشر ومنع تأثير أي طرف ثالث، وقد اخترت عن قصد التحدث بلهجة سودانية بسيطة خالية من المصطلحات والتأثيرات الكبيرة من اللغة الإنجليزية.

لقد كافحت للعثور على شخص سوداني يمكنني التواصل معه بهذا الشأن في مراهقتي، اعتقدت أنني ملعون وأن الله سيعاقبني بالحزن الأبدي وفيروس نقص المناعة البشرية وأن أموت مثل فريدي ميركوري وأجلب العار لعائلتي، أردت بشدة أن أموت وكنت وحيدًا جدًا. وعندما وقعت في غرام شاب وانفصل عني كنت بحاجة إلى شخص أبكي على كتفه، الشخص الوحيد الذي خطر على بالي والذي يمكنه الاستماع إلي دون فضحي هو الشخص الذي تحرش بي جنسيًا!

سأفعل كل ما بوسعي حتى لا يمر أي شخص بتجربة كهذه، والفيلم هو عبارة عن محاولتي أن أقول للمراهق الذي كنته، ولكل من احتاج لأن يسمع: “لا بأس، أنت لست وحدك. أنت شخص جيد ومحبوب ويمكنك أن تقود حياةً ما، يمكنك أن تكون ناجحًا، لا تستسلم.”

تصوير أحمد عمر

تركيزًا على شعرك بالتحديد، يدرك الكثير منا الدور الذي يلعبه الشعر في المجالات الاجتماعية والسياسية والدينية في المنطقة، وأنه أساسي للتفاوض حول معايير الجندر، بالنسبة لك -شخصيًا وفنيًا- كيف يصبح الشعر وسيلة للتعبير عن هويتك الجندرية وجنسانيتك؟

من أول الأشياء التي حاولت عائلتي في مكة محاربتها شعري فلم يوافقوا أبدًا على تصفيفات شعري، حيث لم تكن عادية بما فيه الكفاية أي ليست مثل تصفيفات الأولاد الآخرين.

عندما كبرت اكتشفت أن شعري لم يكن جميلًا لأنه كان مجعدًا، وسخر الجميع في المدرسة مني بسبب ذلك وكان شعري مرتبطًا بسوادي، كانت واحدة من أكثر البيئات عنصرية التي عشت فيها على الإطلاق: فهم أطلقوا عليّ اسم “العبد” وكان التلاميذ الآخرون يأخذون الغترة (الشال السعودي) ويفسدون شعري.

أول شيء فعلته بعد مغادرتي السودان والسعودية هو إطلاق شعري لينمو، كنت أقوم بتصفيف شعري كل أسبوع وكنت أشعر بشعور جيد وأني مميز للغاية ورائع المظهر، كان شعري مثل المتمرد على كل هذه المعايير التي وضعت لنا.

توجد لحظة جميلة في فيلم The Art of Sin (٢٠٢٠) قبل عودتك إلى السودان مباشرة عندما قصصت شعرك النامي لعدة أعوام أمام المرآة قائلًا: “كانت بيننا صداقة جيدة، لم تخيب ظني أبدًا حين فعل الجميع ذلك”، ماذا تعني لك هذه التصفيفة ولماذا شعرت أن الوقت قد حان لقصها؟

كانت واحدة من أصعب لحظات حياتي، كان حلق شعري صعبًا لأنني كنت بحاجة إلى أن أكون آمنًا، لذا كان سلب هذا مني بالقوة ومعرفة أنه كان عليّ الاندماج مع أشخاص آخرين أمرًا مفجعًا حقًا، ميزتني تصفيفة شعري عن أي شخص آخر وساعدتني على أن أكون على طبيعتي وشعرت أن هذا كان 100٪ أحمد، عدا ذلك بدأت تصفيفة ذيل الحصان الخاصة بي تصبح أطول في عام 2006 وكان ارتداؤها مثل ارتداء قصة حياتي، كل قصص حياتي تم توثيقها من خلال تصفيفات شعري.

برأيك ما هي بعض الطرق التي تكون بها معايير الشعر قمعية داخل المجتمعات الكويرية سواء كانت مرتبطة بالأنماط المعاصرة أو المعايير الجنسانية أو علامات الشيخوخة وما إلى ذلك؟ ما قد تكون بعض أسباب هذا؟

لقد مر مجتمع المثليين بالكثير من الاضطهاد لفترة طويلة، نحن نواجه سيفين: الدين والمجتمع / الأسرة.

أنا أرى سبب هذه العدوانية تجاه بعضنا البعض مع أن هذا ليس عذرًا. لقد جربت بشكل كافٍ أن يرفضني الرجال المثليون الآخرون بسبب انفتاحي ومظهري المتماهي جندريًا، وصراحتي حول القضايا التي لا نتحدث عنها عادة. إنهم يعكسون نفس الكراهية الأبوية العوجاء التي تعلموها، أحيانًا أواجههم بصرامة وأحيانَا أخرى أختار السماح لهم بوقت للتشافي لأن الصدمة النفسية كبيرة.

تصوير أحمد عمر

لقد تحدثتَ كثيرًا عن كيف يمكن للفن أن يكون أداة للتعبير عن الذات والمرح ومصدرًا محتملاً للقوة والتمكين، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الشعر يمكن أن “يتلاشى” أو يتم قصه، ما هي الأشكال الأخرى “للتزيين الذاتي” التي قد تخدم غرضًا مشابهًا؟

تماشياً مع الفن الذي أصنعه أستخدم جسدي كلوحة للتواصل، لقد أحببت جسدي بعد سنوات عديدة من فك عقدة انعدام الثقة، الآن أستمع إلى رغبات جسدي وأعمل بنشاط على تحقيقها.

يمكن أن يعني ذلك تسريحة شعر تلفت الأنظار وملابس مصممة “لجندر” آخر أو أي شيء أشعر به يعزز جمالي ويوصل الرسالة التي أريد أن أقولها، أنا مشغول جدًا بفكرة توصيل سودانيتي بالمعنى الواسع حيث أخلط الأشياء من تقاليد كل من الإناث والذكور، لقد اعتمدت استخدام بعض الأشياء الممنوعة مثل ملابس رقص الزفاف الكلاسيكي من منطقتي وسط السودان، إنها كاشفة جدًا وفخورة للغاية وجميلة بشكل لا يصدق.

في الختام، كيف تتصور مستقبل مجتمع الكوير والترانس في المنطقة بشكل عام وفي السودان على وجه التحديد؟ كيف يتناسب مستقبل روايتك الشخصية وفنك مع تلك الرؤية؟ هل تؤمن بثورة فنية كويرية؟

أنا أؤمن تمامًا بثورة كويرية أو على الأقل تطورًا ما، رأيت بأم عيني كيف تغير الناس خلال السنوات التي قضيتها في الخارج، فالناس الذين كانوا يتنمرون علي يسألونني الآن أسئلتهم بكل سلام ويطلبون مني العفو، لم تكن لديهم أمثلة على الأشخاص المثليين.

يمكنك اعتباري ساذجًا لكني أريد تنظيم فخر النيل في عام 2030 في الخرطوم، لدينا الآن قوة وسائل التواصل الاجتماعي التي تنشر المعلومات بسرعة كبيرة، لولا مجتمع المثليين في السودان لم أكن لأكون أبدًا حيث أنا اليوم أو صريحًا ومعبرًا عن حقوق مجتمع الميم.



Source link

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى