الأقيال

«عـلـي بـن ابـي طـالـبـ» سـلـوك ومـعاملات…


«عـلـي بـن ابـي طـالـبـ» سـلـوك ومـعاملات

مـصـطـفي مـحـمـود

إن أيّ مطلع على رسائل عليّ إلى مُعَاوِيَة يذهل بالطّريقة الغليضه في الأسلوب، والزّهو عن الخلق الكريم، والتّكبر والجفاء في التّعامل مع الآخرين، فقد كان رسول الله وخلفاؤه الثّلاثة يمتازون جميعاً بالتّواضع، والأدب، ومراعاة التّقاليد المحترمة، ولم يرد عند أيّ منهم كلمة نابية،

وهذه أمثلة من رسائل علي بن ابي طالب لمعاويه
1- ففي الخطبة الثّامنة من نهج البلاغة، يوصي جرير بن عبد الله البجلي حين أرسله إلى معاوية (أَمَّا بَعْدُ فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي فَاحْمِلْ مُعَاوِيَة عَلَى الْفَصْلِ وَخُذْهُ بِالْأَمْرِ الْجَزْمِ {الشّدة} ثُمَّ خَيِّرْهُ بَيْنَ حَرْبٍ مُجْلِيَةٍ أَوْ سِلْمٍ مُخْزِيَةٍ فَإِنِ اخْتَارَ الْحَرْبَ فَانْبِذْ إِلَيْهِ وَإِنِ اخْتَارَ السّلْمَ فَخُذْ بَيْعَتَهُ وَالسّلَامُ). في لسان العرب حرب مجلية أو سلم مخزية تعني حرب تخرجكم من دياركم أذلاء، أو سلم تخزيكم، وتفضحكم، وتذلكم، إن مثل هذا الأسلوب لم يتبعه رسول الله مع أهل مكّة غير المؤمنين به، ومخرجيه من داره هو ومن معه، بل رحمهم عندما فتح مكّة، واتبع أبو بكر مع المرتدين الأسلوب نفسه، فلم يجليهم عن ديارهم، وعفا عمن تاب منه، ولم يهنه، ويذله أو يخزيه، بل أعاد تعيين القائد الكفء من المرتدين التّائبين قائداً لمجموعة من المحاربين، فكسب رضا الجميع. أمّا عليّ فبتهديده هذا قطع الطّريق على التّوبة، والصّلح، حتى لو كان عند معاوية، أو عند قواده رغبة في إجراء مفاوضات مع عليّ، فقد قضت الرسالة، وأسلوبها على تلك الرغبة، ودفعته للتصلب في موقفه، ومعاداته.

وإن نظرنا إلى واقع الحال فمُعَاوِيَة والٍ على الشّام، حارب الرّوم لأكثر من عشرين سنة، غزاهم ست عشرة مرّة بنفسه، وبقيادة رجاله، وانتصر عليهم في أعزّ شيء يمتلكونه (أسيا الصّغرى –تركيا الآن)، وحاصر عاصمتهم، وأذلهم، وعنده من الأبطال والقادة ما يستطيع بهم الوقوف في وجه عليّ، مثل هذا القائد المنتصر يخاطَب بمثل هذا الأسلوب المتدني؟
لننظر إلى هذا التّعبير في تخيير مُعَاوِيَة بشيئين كلاهما ذليل ومنحطّ: حَرْبٍ مُجْلِيَةٍ أَوْ سِلْمٍ مُخْزِيَةٍ.
أين يذهب أهل الشّام إن أجلاهم عليّ عن ديارهم؟ حتى إن كان لدى بعض جنود معاوية ميل إلى عليّ فسيتخلون عنه، لما في رسالة عليّ من نية واضحة سيئة لا إنسانيّة، من مذابح ودمار وإجلاء عن الدّيار،

وأمامهم العمل الوحشي الذي قام به ضد عثمان: قتل من دون حقّ، سحل في الشّوارع، رمي في المزابل، منع اهله من دفنه. هل سيجري هذا بهم علي يد متوحّشٍ يقود أوباشاً؟ كيف يستسلمون وهم الشّجعان! وقد انتقموا من الرّومان الذين احتلوا أراضيهم قروناً طويلة وهزموهم، فمن هو عليّ ليفعل بهم تلك الأفاعيل؟ أمّا تعبير (سِلْمٍ مُخْزِيَةٍ) فيعني فرض شروط المنتصر أيّاً كانت، ومهما كانت قاسية، وتشمل: مصادرة السلاح، والمال، والتنازل عن الأملاك، وبيع الرّجال في سوق النّخاسة، وتوزيع النّساء والأطفال على المحاربين الأعداء، ويضاف إليها ما يرغب المنتصر من مكاسب يرضاها حين الاستسلام. هذه الشّروط لا يرضى بها رجال ذوو كرامة، كرّستها انتصاراتهم المتوالية على أحدى أعظم الإمبراطوريات في زمانهم؟ ولو فرضنا أنّ فيهم نفر يريد أن يسالم مغتصباً للحكم، بطريقة لا أخلاقيّة، ويرضى أن يكون تابعاً له لأنه زوج ابنة رسول الله فسيرفض الآخرون لأنّهم لن يقبلوا بسلم مخزية، تجلب العار لهم، ولأولادهم، وأحفادهم.
ًأهذا خطاب رجل يمتلك ذرة من العقل، ؟

لن تجد مثل هذا الكلام السّطحي المستفز في أيّ خطبة لرسول الله أو خلفاؤه، أو حتى الخلفاء الأمويّين أو العباسيّين.
2- احتكار الإسلام والإيمان، ففي الخطبة نفسها يقول عليّ فَإِنْ أَبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ.
في هذه الرّسالة يمرر علي تهمة عظمى، إذ أن سبيل معاوية لم تكن سبيل المؤمنين، لماذا؟ لأنّه طالب بالاقتصاص من قتلة عثمان، وعثمان خليفة، فهل المطالبة بالاقتصاص من قتلة مجرمين ليست من سبل المؤمنين؟… وهل التآمر على خليفة شرعي، وقتله قتلة غير شرعيّة، سبيل المؤمنين؟ هذا تزييف صريح للإيمان. ولو قال عليّ في رسالته: قاتلوه على اتباعه غير سبيلي لكن أقرب إلى الحقيقة. فربط طريقه هو وحده، بطريق الإيمان بالرّغم من فرض الإجلاء والسّلم المخزي كذب وتعسف.

3- يفترض عليّ أن كلّ من يخالفه الرّأي ضالاً فهو يخاطب معاوية أَتَتْنِي مِنْكَ مَوْعِظَةٌ مُوَصَّلَةٌ وَرِسَالَةٌ مُحَبَّرَةٌ نَمَّقْتَهَا بِضَلَالِكَ وَأَمْضَيْتَهَا بِسُوءِ رَأْيِكَ وَكِتَابُ امْرِئٍ لَيْسَ لَهُ بَصَرٌ يَهْدِيهِ وَلَا قَائِدٌ يُرْشِدُهُ قَدْ دَعَاهُ الْهَوَى فَأَجَابَهُ وَقَادَهُ الضّلَالُ فَاتَّبَعَهُ فَهَجَرَ لَاغِطاً وَضَلَّ خَابِطاً… هذا جزء من الخطبة، وهي مليئة بسُباب لا موجب له إطلاقاً، إن لم يعجبه اسلوب معاوية فعليه أن يكتب أفضل منه، ففي الأقل معاوية لم يهدده.

4- في خطب عليّ تخريصات كثيره أخرى ينفر منها أيّ مطلع على التّاريخ الإسلامي، ففي الخطبة التّاسعة وهي إلى مُعَاوِيَة أيضاً، يدّعي عليّ أن قريشاً أرادت قتل رسول الله واستئصال عائلته، وتلك فريّة كبرى، نعم أرادوا قتل رسول الله فقط، لكنّهم لم يرغبوا ولم يعلنوا ولم يفعلوا، أيّ فعل يدّل على أنّهم يريدون استئصال عائلته. وهذا خداع صريح بين، لأن قريشاً لو كانت تبيت سوءً لبني هاشم، لقتلت عليّا نفسه عندما بات في فراش النبيّ، ففي قريش نبل وإنسانية، يفتقر إليها عليّ نفسه، ولم يصدر عن أيّ من ملأ قريش مثل تلك الرّغبة، وإلى حين فتح مكّة كان هناك من عائلة رسول الله من يسكن مكّة بأمان واطمئنان، ومات أبو عليّ نفسه من دون أن يمسسه أحد بسوء، وكان بمستطاع المكيّين أن يقتلوه، أو يجلوه لكنّهم لم يفعلوا، لأن أخلاق أهل مكّة سامية معروفة لدى الجميع لكن عليّاً يزيف الحقائق كلّها، بقوله: فَأَرَادَ قَوْمُنَا قَتْلَ نَبِيِّنَا وَاجْتِيَاحَ أَصْلِنَا.

5- استهتر عليّ بعقول المسلمين حتى أنه أسمعهم لغواً فارغاً لا أوّل له ولا آخر، ففي الخطبة التّاسعة نفسها، يدعي أن بني هاشم نوعان مسلم وكافر: وكلاهما على حق( مُؤْمِنُنَا يَبْغِي بِذَلِكَ الْأَجْرَ وَكَافِرُنَا يُحَامِي عَنِ الْأَصْلِ) وفي الحقيقة لم يكن من المؤمنين من عائلة رسول الله سوى قلة تعدّ على الأصابع، وظلّ رأس العائلة أبو لهب على دينه، وغيره كثير، منهم أبو طالب، وهذا التّعصب نهى عنه رسول الله فهو نوع من التّعصب الجاهليّ، أما أشد أنواع التّعصب للعائلة فقوله: وَكَافِرُنَا يُحَامِي عَنِ الْأَصْلِ.

6- ، عندما طالب طلحة والزّبير عليّاً بالاقتصاص من قتلة عُثْمان بن عفّانِ أجابهما بقوله كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم. وظاهر هذا القول أنه لم يكن راضياً عن قتل عُثْمان بن عفّانِ أولاً، ولا يكن بمقدوره أن يقتص منهم ثانياً….. ويقدّم حفيد عليّ هادي العلوِيِّ شرحاً وافياً لكذب عليّ، وجنوحه إلى الباطل، ويفضح تزيفه الوقائع (ويبدو عليّ هنا كما لو كان قد فقد السّيطرة على الوضع في مواجهة المدّ (الفوضى) وهو بذلك يقدّم تبريراً لعدم معاقبة قتلة عُثْمان بن عفّانِ، لأنّه لا يملك السّلطة الكافية لإخضاعهم، وإذا تذكرنا أن قادة الاتفاضة المباشرين (المجرمون) هم أخلص أصحاب علي، وأن طليعة المقتحمين على عُثْمان بن عفّانِ هو ربيبه محمّد بن أبي بكر، أدركنا للتّو أنّه أراد بهذا الجواب أن يتخلّص من طلب محرج. “هادي العلوي: فصول من تاريخ الإسلام السّياسي)،

أمام هذا البهتان يقف مُعَاوِيَة صريحاً صادقاً، حتى مع عليّ، فبعد ثلاثة أشهر على مقتل عُثْمان بن عفّانِ بعث مُعَاوِيَة طُوماراً “صحيفة” مع رجل، فدخل به على عليِّ فقال له عليّ ما وراءك؟ قال جئتك من عند قوم لا يريدون إلا القوَدَ “القتل بالقتل”، كلّهم موتور “صاحب ثأر”، تركت ستين ألف شيخ يبكون تحت قميص عُثْمان بن عفّانِ، وهو على منبر دمشق، فقال عليّ اللهم إني أبرأ إليك من دم عُثْمان بن عفّانِ. وهذا الكلام والبراءة من دم عثمان نوع من التخريص الواضح، فمن ارتكب الجريمة الكبرى معروف، وهم لا يتجاوزون خمسة مجرمين، وذكرهم المؤرّخون كلّهم، فكيف يبرأ منهم؟

7- في هذا الرّد نفسه “اللهم إني أبرأ إليك من دم عُثْمان بن عفّانِ” تراجع بنسبة 180 درجة عن أسلوبه التهديديّ المتبجح في “حرب مجلية، أو سلم مخزية”، إذ يبدو وكأنه فقد زمام الأمور. فلماذا؟ لأنه وجد صلابة من معاوية والشّاميين، صلابة جعلته يرعوي أي “أدبته” وأجبرته على تغيير أسلوبه العنجهي المغرور.

8- لم يتّخذ أي خطوة للجم اندفاع مؤيديه، تركهم لتصرفهم الشّائن غير المسؤول، فعندما خرج رسول مُعَاوِيَة من بين يدي عليَّ، همَّ به جند عليّ، الذين قتلوا عُثْمان بن عفّانِ يريدون قتله، فما أفلت إلا بعد جهد. “البداية والنهاية” م7- ص270

9- لكنّه في الخطبة التّاسعة “في ترتيب نهج البلاغة”، يعترف بطريقة ضمنية أنّه هو الذي قتل عُثْمان بن عفّانِ، ويصّرُ على الدّفاع عن المجرمين، ويهدد مُعَاوِيَة بهم تهديداً واضحاً، ويتوقّع أنّهم سيقتلون مُعَاوِيَة في المستقبل {وَأَمَّا مَا سَالت مِنْ دَفْعِ قَتَلَةِ عُثْمان بن عفّانِ إِلَيْكَ فَإِنِّي نَظَرْتُ فِي هَذَا الْأَمْرِ فَلَمْ أَرَهُ يَسَعُنِي دَفْعُهُمْ إِلَيْكَ وَلَا إِلَى غَيْرِكَ وَلَعَمْرِي لَئِنْ لَمْ تَنْزِعْ عَنْ غَيِّكَ وَشِقَاقِكَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ عَنْ قَلِيلٍ يَطْلُبُونَكَ لَا يُكَلِّفُونَكَ طَلَبَهُمْ فِي بَرٍّ وَلَا بَحْرٍ وَلَا جَبَلٍ وَلَا سَهْلٍ إِلَّا أَنَّهُ طَلَبٌ يَسُوءُكَ وِجْدَانُهُ وَزَوْرٌ لَا يَسُرُّكَ لُقْيَانُهُ وَالسّلَامُ لِأَهْلِهِ.} وهنا علينا أن نلاحظ اسلوب الرّسالة المستفز، فتعبير السّلام لأهله إساءة لا مبرر لها، ولا تصدر عن محبّ للسلم. وعلى القارئ الحكم على التّذبذب، والرّوح العدوانيه : ، ثم اعتراف وتهديد.

10- وفي الخطبة العاشرة يصف معاوية( فَإِنَّكَ مُتْرَفٌ قَدْ أَخَذَ الشّيْطَانُ مِنْكَ مَأْخَذَهُ وبَلَغَ فِيكَ أَمَلَهُ الخ.
هل كان مُعَاوِيَة مترفاً أكثر من عليّ؟ لا مطلقاً. إنّها كذبة صريحة، ليسأل عليّ نفسه كم زوجةً تزوّج هو وكم زوجة تزوّج معاوية! فكل المؤرخين يجمعون على أن عليّا عندما مات ترك أربع زوجات وتسع عشرة سريّة، بينما لم يجمع معاوية غير زوجتين، وقضى سنوات عدّة مع زوجة واحدة.

11- يدّعي عليّ ويقسِم بالله أن أعداءه (بنو أمية): لم يُسْلموا إلا ظاهراً، وكانوا يُبطنون الكفر… فَوَ الذي فَلَقَ الْحَبَّةَ وبَرَأَ النّسَمَةَ مَا أَسْلَمُوا ولَكِنِ اسْتَسْلَمُوا وأَسَرُّوا الْكُفْرَ فَلَمَّا وَجَدُوا أَعْوَاناً عَلَيْهِ أَظْهَرُوهُ)
وفي هذه الخطبة خروج على الإسلام في نقطتين:
أولاً إن عليّاً يقسم بالله أنّهم غير مسلمين. وهذا قسم غير بار، لأنه هو نفسه نعت مُعَاوِيَة ومن معه بالمسلمين المؤمنين فعندما تصالح مع معاوية، أقرّ أن إيمانهم لا يقل عن إيمانه هو وجيشه. لا يختلفون عنه وعن جيشه، وسيمرّ بنا الخطبة رقم 57، والتي يقرّ بها بجلاء: أَنَّا التّقَيْنَا وَالْقَوْمُ مِنْ أَهْلِ الشّامِ وَالظاهِرُ أَنَّ رَبَّنَا وَاحِدٌ ونَبِيَّنَا وَاحِدٌ وَدَعْوَتَنَا فِي الْإِسْلَامِ وَاحِدَةٌ وَلَا نَسْتَزِيدُهُمْ فِي الْإِيمَانِ بِاللَّهِ والتّصْدِيقِ بِرَسُولِهِ وَلَا يَسْتَزِيدُونَنَا الْأَمْرُ وَاحِدٌ إِلَّا مَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ مِنْ دَمِ عُثْمان بن عفّانِ وَنَحْنُ مِنْهُ بَرَاءٌ.

ثانياً إن محمّداً رسول الله كان يكتفي بإعلان كلمة لا إله إلا الله علامة على الإسلام، ويسوق صحيح مسلم هذه الحادثة: ” صحيح مسلم 158 – (96) حديث ابن أبي شيبة. قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية. فصبحنا الحرقات من جهينة. فأدركت رجلا. فقال لا إله إلا الله. فطعنته فوقع في نفسي من ذلك. فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم” أقال لا إله إلا الله وقتلته؟” قال قلت يا رسول الله! إنما قالها خوفا من السّلاح. قال” أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا”. فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ (ليجب الإسلام الماضي)”، وما فيها وارد ومعقول، وردد غير مرّة على لسان رسول الله والرّواية عن حادث تسرّع فيه أُسَامَة بن زَيْدٍ فقتل شخصاً بعد قوله لا إله إلا الله..فكيف يقسم عليّ بالله أن مُعَاوِيَة وأهله أسلموا ظاهراً وهم يبطنون الكفر؟

12- في الخطبة رقم 17 يصّر علي على القتال، بعد وصول رسالة من مُعَاوِيَة يطلب منه الوصول إلى صلح يقي المسلمين القتل، ويبقي عليهم لأن القتلى بينهم كثرة ولم يبقَ سوى القليل، فيرد عليه ردّ جبار متعطش للدم والتّسلط، يخلو قلبه من أيّ رحمة: ومَنْ أَكَلَهُ الْحَقُّ فَإِلَى الْجَنَّةِ ومَنْ أَكَلَهُ الْبَاطِلُ فَإِلَى النّارِ… أنظر إلى تعبيره الفض : أكله الحق، وأكله الباطل. هكذا ببساطة يأكل الحق والباطل الرّجال ويرمل نساءهم، وييتم أطفالهم. وفي الخطبة تبجح واحتكار الجنة لمؤيديه وهي مليئة بالتّفاخر وادعاءات جوفاء لم تسمع قط من رسول الله أو من أيّ من خلفائه الثّلاثة: ولَيْسَ أَهْلُ الشّامِ بِأَحْرَصَ عَلَى الدّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ عَلَى الْآخِرَةِ وأَمَّا قَوْلُكَ إِنَّا بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ فَكَذَلِكَ نَحْنُ ولَكِنْ لَيْسَ أُمَيَّةُ كَهَاشِمٍ ولَا حَرْبٌ كَعَبْدِ الْمُطَّلِبِ ولَا أَبُوسُفْيان كَأَبِي طَالِبٍ ولَا الْمُهَاجِرُ كَالطّلِيقِ ولَا الصّرِيحُ كَاللَّصِيقِ ولَا الْمُحِقُّ كَالْمُبْطِلِ ولَا الْمُؤْمِنُ كَالْمُدْغِلِ ولَبِئْسَ الْخَلْفُ خَلْفٌ يَتْبَعُ سَلَفاً هَوَى فِي نَارِ جَهَنَّمَ وفِي أَيْدِينَا بَعْدُ فَضْلُ النّبُوَّةِ التي أَذْلَلْنَا بِهَا الْعَزِيزَ ونَعَشْنَا بِهَا الذّلِيلَ ولَمَّا أَدْخَلَ اللَّهُ الْعَرَبَ فِي دِينِهِ أَفْوَاجاً وأَسْلَمَتْ لَهُ هَذِهِ الْأُمَّةُ طَوْعاً وكَرْهاً كُنْتُمْ مِمَّنْ دَخَلَ فِي الدّينِ إِمَّا رَغْبَةً وإِمَّا رَهْبَةً عَلَى حِينَ فَازَ أَهْلُ السّبْقِ بِسَبْقِهِمْ وذَهَبَ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ بِفَضْلِهِمْ فَلَا تَجْعَلَنَّ لِلشَّيْطَانِ فِيكَ نَصِيباً ولَا عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلًا والسّلَامُ. “خطبة رقم 17 نهج البلاغة. في هذه الخطبة السابع عشرة من نهج البلاغة، مغالطات ولا مغالطات غوبلز، وتناقضات لا تصدر إلّا عن شخص غير رصين الفكر وغير عقلاني ، فهو يقول: “ولَيْسَ أَهْلُ الشّامِ بِأَحْرَصَ عَلَى الدّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ عَلَى الْآخِرَةِ”، هنا يشيد بأهل العراق، وفي مناسبة أخرى يسبّهم أقذع السّب، ينعتهم ب: أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَ لَا رِجَالَ حُلُومُ الْأَطْفَالِ وَ عُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ. فأي الكلامين صحيح؟
ويقول مخاطباً معاوية: “أَمَّا قَوْلُكَ إِنَّا بَنُوعَبْدِ مَنَافٍ فَكَذَلِكَ نَحْنُ ولَكِنْ لَيْسَ أُمَيَّةُ كَهَاشِمٍ ولَا حَرْبٌ كَعَبْدِ الْمُطَّلِبِ ولَا أَبُوسُفْيان كَأَبِي طَالِبٍ” وهذا تفاخر بالعائلة نهى عنه الإسلام، وعلى ما يستند إليه من قواعد الإسلام، فالمسلم يفضل على غير المسلم، وأبو سفيان أسلم، وجاهد، وذهبت عينه في الجهاد، بينما مات أبو طالب غير مسلم، وعلي هنا يفضل غير المسلم لأنه أباه على المسلم غير أبيه. وهذا خروج عن الإسلام.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى