طه حسين … الآخر…


طه حسين … الآخر

كان الأستاذ ‘طه حسين’ هو مدرس الفنون التشكيلية فى مدرسة المعادى النموذجية عندما كنتُ تلميذاً فيها فى الخمسينات. و كان يتميز برقي و أصالة لم أراهم إلا نادراً. وفيما بعد أدركت السبب – لم يكن الذين يسمون أبناءهم على إسم المفكر العظيم إلا من أرقى المثقفين.

كان الأستاذ طه رساماً ذا موهبة فذه. كنا ذات مرة فى رحلة مدرسية فى الحديقة اليابانية فى حلوان، وكانت هناك إمرأة غجرية تضرب الودع. وفى دقائق رسم لها الأستاذ طه بالپاستيل پورتريه مبهر ما زال فى ذاكرتى حتى الآن.

إختص الأستاذ طه مجموعة من التلاميذ ذوى الميول الفنية بإهتمامه ورعايته. (وكان من حسن حظى أننى كنت واحداً من تلك المجموعة.) و إئتمننى (وكان عمرى وقتها نحو ١٤ سنه) على مفتاح القسم حتى أستعمله فى المساء. (كانت المدرسة داخلية وكنا نعيش فيها.)

أصبح الأستاذ طه بمثابة أخى الأكبر، وكان الشعور متبادلاً. ولما سافر إلى ألمانيا سنة ٥٧ أحضر معه كتابين صغيرين هدية لى – أحدهما عن ميكلانچلو والآخر عن سيزان. كانت تلك الهدية نقطة البداية فى إهتمامى بالفن التشكيلى الغربى طوال حياتى.

ترك الأستاذ طه مدرسة المعادى فى بعثة لألمانيا، وسافرت أنا أيضا فى بعثة إلى روسيا فى أواخر ٥٨. وشاء القدر أن يكون سفرى عن طريق فرانكفورت. وبينما أنا أتسكع فى شوارع فرانكفورت إذا بالأستاذ طه جالس فى مقهى مع بعض أصدقائه. لمحنى الأستاذ وإندفع خارجاً ليحتضننى وكأنه رأى شقيقه الأصغر.

طالت إقامتى فى روسيا وإنقطعت صلتى بالأستاذ طه الذى أصبح الدكتور طه، ثم صار عميداً لكلية الفنون التطبيقية، وواحداً من أعمدة الفن فى مصر. قابلته مرة واحدة بعد تلك المصادفة فى فرانكفورت. كان ذلك فى منتصف الستينات عندما قرأت فى الأهرام عن إفتتاح معرض لأعماله فى صالة عرض قرب ميدان قصر النيل. ذهبت وكان هناك. ومرة أخرى كان لقاءاً زاخراً بالأخوة والمودة.

كانت لوحات الدكتور طه تعكس التزاوج بين الفن العربى بوحداته الهندسية المتكررة، وبين الفن التشكيلى الغربى فى أرقى صوره. كانت أكثر من رائعة، وبعضها ما زلت أذكره وكأن المعرض كان بالأمس. بعد ذلك إزداد إنتاج الدكتور طه إقتراباً من التجريدية المطلقه.

لم أبقى فى مصر بعد ذلك إلا حوالي ٣ سنوات، وإنقطعت صلتى بأستاذى العظيم. علمت من البحث على الإنترنت مؤخراً أنه توفى سنة ٢٠١٣، الله يرحمه.

هكذا كانت الناس … … .

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version