كتّاب

رمضان ومشاوير البهجة ( 3 )…


رمضان ومشاوير البهجة ( 3 )
يأ احمد يا اسماعين: “الكلوب وج”
فى البلدة الهادئة فى النصف الأول من ستينيات القرن الماضى، كان الناس يلزموا بيوتهم بعد صلاة العشاء، أما من يضطر للخروج ليلا فلم يكن أمامه سوى الحاسة الجغرافية عن الشوارع والحارات والأزقة التى يألفونها نهارا، وبعض الأنوار الخافتة التى تخرج من اللمبات الجاز خلف أبواب وشبابيك بيوت الناس المفتوحة صيفا، أو أضواء لمبات وكلوبات البلدية الموكل بها “عم أحمد اسماعيل”
أما فى الشتاء حيث الأمطار التى تحول شوارع البلدة إلى برك وأوحال فلم يكن أحد يخرج من بيته وهو يحمل لمبة جاز تنير له الطريق إلا إذا كان هناك طارئا خطيرا
أما فى الصيف إذا كنا فى رمضان فكنا نخرج بعد الفطور إلى “وسعاية” درب سيدى صلاح لنواصل لعبنا وعيوننا معلقة بالناحية الغربية من الشارع الواسع انتظارا لرؤية عم أحمد اسماعيل بجلبابه البلدى، أسمر نحيل وطويل، حاملا على كتفه الأيمن سلما خشبيا طويلا، ويحمل بيده اليسرى صفيحة الجاز، نتنفس الصعداء ممنين أنفسنا بليلة ذاخرة باللعب والشقاوة والعفرتة والضحك، يسند الرجل سلمه الخشبى على الحائط بجوار فانوس من الزجاج يتصل بالجدار بذراع خشبى بارتفاع عدة أمتار على ناصية الحارة ويصعد عليه، ويسحب اللمبة الجاز التى بداخله وينظف زجاجتها و”يعمرها” يملأها بالجاز، ويشعل فتيلها ويضع زجاجتها ويضبط زبالتها، وينزل ويحمل سلمه الخشبى على كتفه وينطلق للمبة أخرى على ناصية حارة أخرى، حتى يصل إلى كلوب وسعايتنا المعلق على عمود طويل من الخشب بسلك معدنى متين، يضع مفتاحه فى صندوق السلك ويلفه فينزل الكلوب، ويتلقفه عم أحمد ويعمره بالجاز أيضا ويفحص “رتينته” فإن كانت بخير فبها، وإن لم تكن يخرج من “سيالته” واحدة غيرها ويضعها ويشعل الكلوب وعندما يتأكد أن كل الأمور تمام فإنه يعود للف السلك المعدنى ليصعد الكلوب إلى مكانه فى أعلى العمود فينير الوسعاية كلها، وهو مايسمح لنا بلعب العابنا الكثيرة والمتنوعة وخاصة تلك التى تتطلب الحركة والجرى، كاستغماية، وعسكر وحرامية، وكرة القدم، والسبع طوبات، ومنبر، وصيد الحمام، والشبر والشبرين، والشدًادة، ودار مين دى؟ ويرتفع ضجيجنا وصراخنا، وقد يصل الأمر إلى أن نقسوا على باب واحد من أهلنا فى الوسعاية فنتخذه شاهدا نُكثر فيه الخبط والرزع، حتى يخرج علينا صاحب الدار بملابسه الداخلية، يشتم ويهدد وقد يضطر إلى أن يرمى أمام بيته جردل ماء كبير، يجعلنا ننصرف عنه إلى باب بيت آخر
وقد نفاجئ ونحن فى قمة الحماس واللعب بصوت كريه يخرج من الكلوب المرتفع مصحوبا بلسان أحمر طويل من اللهب، ويروح الضوء يخبو رويدا رويدا ونحن أسفله نهتف: “يا احمد يا اسماعين الكلوب وج”، ونظل نهتف حتى ينقطع الضوء ويعم الظلام، أنحاء الوسعاية وأنا اعتقد أن “وج” هذه هى النطق الشعبى ل”توهج”
فنعود جميعا إلى الجلوس فى حلقة نعرف بعض بأصواتنا فى الليالى التى يختفى فيها القمر، لنلعب ألعابنا الصغيرة حتى يتجاوز الليل منتصفه ونسمع طبلة عم عبد الغنى أبو العينين تأتى من بعيد، يدعوا الناس للسحور فنقوم إلى بيوتنا انتظارا لليلة أخرى، لا يوج فيها كلوب عم احمد اسماعيل
يسعد أوقاتكم

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى