توعية وتثقيف

تحدثنا فى بوسطين سابقين عن الحسد، وسننتقل الآن إلى نوع آخر…


تحدثنا فى بوسطين سابقين عن الحسد، وسننتقل الآن إلى نوع آخر من المعتقدات المصرية وهو ‘الفأل’ … والفأل (عند من يؤمن به) هو نذير نحس، أي إخطار مبكر من “السماء” بمكروه على وشك الحدوث. وقد يجيئ هذا الإخطار فى صورة غراب أو بومة أو شبشب مقلوب … إلخ، (وكلها رموز إصطلح عليها الناس فيما بينهم ولم تُنزل عليهم.)

من أشهر نذائر النحس عند المصريين الغراب. (ربما لأن لونه أسود، أو لأن نعيقه قبيح، أو لأنه يأكل الميْت.) فإذا رأوه تكدرت نفوسهم وصاروا يتوقعون مصيبة. والبومة أيضاً من نذائر النحس مع أنها ليست سوداء ولا قبيحة الصوت، ونادراً ما يراها أحد فهي لا تظهر إلا فى سواد الليل. (وهي عند الأوربيين وغيرهم رمز للحكمة وبشرة خير.) وتظهر كراهية المصريين للغراب والبومة فى أنهم يسمون المرأة غراباً إذا كانت نفورة أو غير ودودة، ويسمونها بومةً إذا كانت “وش نكد”.

ويتشاءم المصريون إذا رأوا شبشباً مقلوبا. ذلك على الرغم من أن الشبشب المقلوب لا يسبب أية مشاكل عند اليابانيين أو الهولنديين أو غيرهم من لابسى الشباشب والقباقيب. ولا أعرف سبب تشاؤم المصريين من الشبشب المقلوب، (ومن قال لا أعلم فقد أفاد.) لكن هناك حادثة تاريخية قد تكون لها علاقة بالموضوع، وهي مقتل شجرة الدر. والذى حدث أن شجرة الدر بعد أن فقدت نفوذها حدد السلطان الجديد إقامتها فى الحرملك، وهناك تكاتفت عليها الجوارى فى الحمام وضربنها بالشباشب والقباقيب حتى ماتت.

والمصري يتشاءم كذلك إذا رأى مرآة مكسورة. أما إذا حلم بقريب متوفى، فسيتعكر مزاجه أشد التعكير، لأنه يعتقد أن قريبه هذا يدعوه إلى الإلتحاق به فى العالم الآخر. فيظل يتمتم “اللهم إجعله خير … اللهم إجعله خير” حتى تلهيه مشاغل يومه عن الفكرة. وأحياناً يحاول الناس إبطال فعل الفأل قبل أن يحدث المكروه، فيستأجر المسلمون شيخاً يقرأ لهم من القرآن، أما الأقباط فيستأجرون قسيساً يؤدى لهم طقساً إسمه “القنديل”.

هذا ما يعتقده الناس، أما حقيقة الأمر فهي أن التشاؤم إضطراب نفسي. وتوقع المكروه هو الذى يؤدى إلى وقوعه ( self-fulfilling prophecy). خذ، على سبيل المثال، تلميذاً يعتقد أن الغراب نذير نحس. إذا رأى هذا المسكين غراباً وهو فى طريقه إلى الإمتحان، فستضطرب نفسيته ويفقد ثقته وينسى ما ذاكره. إيمانه بنذير النحس هو الذى سيؤدى إلى رسوبه، أما الغراب فلا لوم عليه.

وليس المصريون وحدهم فى الإيمان بنذائر النحس. بل تشاركهم فى ذلك شعوب أخرى، سنتحدث عنها فى بوسط مقبل.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Farid Matta فريد متا

كاتب ادبي

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى