توعية وتثقيف

الدراسة فى الإتحاد السوڤييتى – ٢…


الدراسة فى الإتحاد السوڤييتى – ٢

من يسمى ‘دكتور’ فى مصر لم يكن يسمى ‘دكتور’ فى الإتحاد السوڤييتى. هذا اللقب كان مقصوراً على قلة من الأساتذة بالمعنى الأصلي للكلمة، أي الأساتذة الذين كونوا إتجاهات علمية متميزة مرتبطة بأسمائهم شخصياً . هؤلاء كانوا حاصلين على درجة علمية أعلى تسمى دكتوراه العلوم (DSc). و كان منهم عدد قليل لا يزيد عن إثنين أو ثلاثة فى القسم وأحياناً فى الكُليّة.

أما من نسميه فى مصر و فى أمريكا ‘دكتور’ فكان يسمى عندهم ‘كانديدات (Candidat)’. حرفياً كلمة كانديدات تعنى ‘مرشح’، و الدرجة تكافئ ما نسميه نحن ‘PhD’. كل المصريين الذين حصلوا على الدكتوراه فى الإتحاد السوڤييتى حصلوا على درجة الكانديدات (PhD)، و ليس درجة الدكتوراه بالمفهوم الروسي (DSc).

كان الحصول على درجة الكانديدات يستغرق ٣ سنوات فى العادة، و أحياناً أطول قليلاً. و كان من المستحيل الغش أو النقل (plagiarism). فقد كان من شروط تقديم الرسالة نشر ٣ أبحاث على الأقل فى مجلات علمية أو قبولها فى مؤتمرات علمية، و ذلك يعنى ضمنياً إقرار المجتمع العلمى ككل بسلامة البحث و أصوليته. لكن أقوى مصل ضد الأبحاث “الأونطة” كان “شهادة التطبيق”: كان يتعين على كل متقدم لدرجة الكانديدات فى معهدنا أن يقدم شهادة من مصنع أو شركة أو مؤسسة يفيد بأن البحث الذى أنجزه قد تم تطبيقه بالفعل؛ و يتضمن ذلك الإقرار أيضاً قيمة التأثير الإقتصادي (Financial impact) الذى نتج عن التطبيق. فى تقديري الشخصي كان ذلك أهم العوامل التى ساهمت فى رفع مستوى الأبحاث، و “فلترة” الأبحاث الصورية و السفسطائية و الفارغة المضمون.

بالتأكيد لم يكن هذا الشرط مطلوباً فى كل التخصصات، كما أنه لم يكن يسري على الطلبة الأجانب لأسباب مفهومة (أهمها عدم إتصالهم بالصناعة.) لكنه كان ضرورياً فى المعهد الذى درستُ فيه. أنا شخصياً لم أقدم مثل ذلك الإقرار، لكنى كنت قد نشرت كتاباً باللغة الروسية (*)، و ساهمت فى تقييم رسالات كانديدات تقدم بها مهندسون يعملون فى الصناعة، فإعتبرت اللجنة ذلك كافياً و معادِلاً لإقرار التطبيق.

لاحظ أن من يمنحك الدرجة العلمية ليس الوزارة أو الإدارة، بل الكلية (faculty)، أي مجمع الأساتذة فى المعهد أو فى الكلية الجامعية المانحة للدرجة. أي أن الأساتذة يشهدون (بأشخاصهم و على عهدتهم) بأنك قد إستوفيت الشروط و المتطلبات. لكن ما هي تلك المتطلبات ؟

يمكن تلخيص فلسفة الدراسات العليا فى الإتحاد السوڤييتى كالآتى:
* درجة الماجستير كانت تُمنح للشخص إذا أثبت قدرته على البحث فى مواضيع تخرج عن نطاق ما تعلمه فى المناهج المقررة. و يجرى ذلك تحت توجيه مباشر من مشرف علمي. (و فى كثير من المعاهد كانت تلك هي الدرجة الأولى المتاحة.)
* درجة الكانديدات (PhD) كانت تُمنح للباحث إذا أثبت قدرته على الإضافة (هذه هي الكلمة المفتاحية) إلى المادة العلمية، و ذلك بقدر عالى من الإستقلالية، و بأقل قدر من الإشراف و التوجيه. (وتستغرق ٣ سنوات.)
* درجة الدكتوراه ‘DSc’ كانت تُمنح للشخص الذى أثبت قدرته على شق طريق جديد و متميز فى المجال العلمي؛ و على تعميم نتائج أبحاث تلاميذه و مساعديه من الحاصلين على درجة كانديدات و درجة الماجستير لإستنباط نتائج محورية فى المجال المعني. وهذه الدرجة ليس لها فترة زمنية معينة.

هذه نظرة سريع على منظومة الدراسة العليا فى الإتحاد السوڤييتى فى الستينات و السبعينات كما شهدتها شخصياً. روسيا بلد كبير، و مر بمراحل مختلفة. كما أن الأمور تتباين بين فروع العلم. لذلك قد يكون هناك من مر بتجارب غير تجربتى.

كنتُ قد وعدت بتغطية موضوع التعليم فى الإتحاد السوڤييتى فى مقالتين، و من الواضح أننى لن أوفى بذلك الوعد. فإلى لقاء آخر للحديث عن تجربتى الشخصية.
_______________________________
‏*) ‘В. И. Смирнов, Ф. Ю. Матта. «Теория Конструкций Контактов в Электронной Аппаратуре»’

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Farid Matta فريد متا

كاتب ادبي

‫16 تعليقات

  1. مادام الامر كذلك لماذا السمعة السيئة التى اعتدنا سماعها على الحاصلين على الدكتوراه من الاتحاد السوفيتى وقتها وكان ضعفهم العلمى احيانا دليل على ذلك
    لا اريد ان اتطرق الى ما كان يطلق عليها الدول الاشتراكية وقتها حيث قيل ان رسائل الماحستير والدكتوراه كانت تباع
    هناك جاهزة

  2. النتيجه كانت واضحه في البناء العلني و التكنولوجي الذي تكون

    و في قدر الinnovation و الابتكارين و بتكاليف اقل

    لم يكن هناك نموذج قبلا لصاروخ فضاء او قمر صناعي او سفينه فضاء او محطه مداريه
    كان كل هذا مؤسسا من الصفر

    كانت الدبابه ت٣٤ تشمل معضله للالمان ب دروعها المائلة التي تزيد من سمكها العملي دون زياده في الوزن و تحميل زائد علي المحرك
    و الطريف ان قدر المفاجاه التي نصبتها استمرت في كوريا
    و نفس ما حدث حدث مع الميج ١٥ التي ظهرت وقت ما كانت معطم الطائرات الغزبيه يسيرها الPiston engine
    و مع الميج ٢١ التي كانت تكاليفها ١/١٠ الفانتوم
    و مازالت الميج ٢٥ صاخبه رقم قياسي في الارتفاع و السرعه
    حيث يمكن الوصول بها الي خط افق الغلاف الجوي

    ايضا عدد العلماء الروس من الحاصلين علي نوبل في الفيزياء و الرياضيات كبير و حتي في اوج الحرب البارده
    و من الواضح ان انجازاتهم كانت تتفوق علي خطوط الممانعه التي فرضها الجو السياسي الدولي

    هناك استمرار ل هذا حتي اليوم
    و الخرب الدائره في اوكرانيا هي حرب تكنولوجيه ايضا تواجه فيها التكنولوجيا الروسيه تكنولوجيا اعضاء الناتو كلهم
    و ان كانت محصوره في مساحه و محصوره في نوعيات سلاح و في حدود ما يمكن استخدامه
    حيث يتم ابطال الدفاعات الجويه
    و استخدام المسيرات ك قذائف
    و تحييد المدرعات الحديثه
    و خداع اجهزه الرادار
    و استخدام قوات الجو ب حرص
    و التعلم مما يجري علي الارض

    النقطه ليست في تميز نظام الاتحاد السوفييتي السياسي و لا نظام روسيا الحالي

    النقطه هي في تكوين بناء حقيقي
    تم بناء حقيقي علي اساسه

    الصين لها تجربه مختلفه
    كلمت معتمده كليه علي موسكو في تزويدها بالسلاح و معدات الانتاج و التدريب
    و سبق ان سال ناصر شو اين لاي عن امكان بيع الصين سلاحا الي مصر
    ف ذكر له ان الصين تحصل علي سلاحها من الاتحاد السوفييتي
    و كان من توسط لدي موسكو في امدادنا بسلاح صفقة ٥٤ التي حدثت من خلال تشيكوسلوفاكيا.
    لكن ادي صلف خروتشوف عندما اعترضت. بكين علي انتقاد ستالين في الاتحاد السوفييتي و سحب الخبراء السوفييت من كل الصين في خلال ايام
    الي توقف الصناعه في كل الصين
    الي بدء تجربه جديده من تجارب الصينيين العملاقه في التقليد mimicking
    و تم استنساخ كل صاموله تركها
    من مكونات المصنع
    الي الطائره المقاتله
    و مازال هذا يشكل طبيعه اساسيه من طبيعه الصناعه و التكنولوجيا الصينيه

  3. التعليم الجامعي في الاتحاد السوفيتي قبل انهيار الدولة كان من اقوي النظم التعليمية في العالم .. طبيعي كان اقوي من التعليم الجامعي المصري .. والشهادات العليا من روسيا كانت تقابل بالتقدير والاحترام والدليل علي ذلك نجاح الدكتور فريد متي في امريكا وزملاء له كثيرين والاف من المهاجرين الروس لامريكا ..

  4. PhD ….. هي قمه نظام التعليم المنتظم (دكتوراه بفلسفه العلوم) وتحتاج دراسه اكاديميه وبحث تخرج ويلزم ان يكون طازجا وجديدا ام يسبق تناوله اما درجه دكتوراه العلوم (Doctor of Science فهي تمنح لمجموعه ابحاث تصب بخط واحد ولا تحتاج لفصول دراسيه التقييم مرحلي ولا انجاز محدد ….. هذا النظام مازال معمول به بجامعات اوربا العريقه …..

  5. This is the exact contrary of what happens in Egyptian Universities specially what so called the countryside universities, which is depending on Copy and Paste and stealing or borrowing others research and needless to say that the budget for research is almost Nil, when somebody gets his B.Sc, M.Sc and Ph.D from a Menouf College of Electronic Engineering, so it is no more than waste recycling , I myself watched by my own eyes some Bachelor degree students pay bribes to the department secretary to take a graduation project of somebody who graduated and just cut the front page with name and put another one with his name or take the Project to Photocopy it and present it with the blessings from some Examiners ( graduated from East Germany and Hungary ) !

  6. شكرا جزيلا على تلك المقالات الجادة والتى أعطت فكرة شاملة عن فلسفة الدراسات العليا فى الإتحاد السوڤيتى فى تلك الحقبة .كنت أريد أن أذكر إنطباعى ( العابر ) عن مستوى جراحة الأذن و الأنف والحنجرة فى الدولة السوڤيتية ، لاحظت أن الكثير من المتخصصين فى ذلك الفرع هم من النساء ، والحقيقة كان مستواهم متواضعا ، وكان ذلك مبعث دهشة لى ، ولكنى إستدركت ربما كانت هناك أولويات عند الدولة السوڤيتية وهو توجه الرجال للعلوم الهندسية والرياضيات والطبيعة حيث التخطيط مركزى ، فالأولى عندهم هو التوجه نحو الصناعة و إستقطاب الطلبة الأوائل فى هذا التجاه بدلا من توجههم لترقيع للطبلة أو إستئصال لعظمة الركاب .هذا إجتهادى والله أعلم .فى إنتظار المزيد .

  7. فريد بك..
    هلا حدثتنا مره عن ” الانسان ” الروسي..أخاله شخص جاد لايبتسم ولايعرف للضحك طريقاً..
    تصوري ، الساذج هذا يلازمني ويرجع لصوره ذهنيه لاتفارقني عندما كنت أستقل مترو مدينة نصر أيام ماكان الخبراء الروس يقطنون عمارات حي رابعه العدويه..لم أرهم يبتسمون قط..!!

  8. د متي شكرا علي المقالة الشيقة
    عذرا ما اسم الكتاب اللذي الفته حضرتك
    لا اعرف من اللغة الروسيه غير بضع كلمات ( دوبري اوترا) افتكر تعني صباح الخير 😁

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى