كتّابمفكرون

“لمحات من التاريخ السياسي للأزهر” (4)…


“لمحات من التاريخ السياسي للأزهر” (4)
السادات والأزهر (ب)
أراد السادات أن يحصل علي الشرعية الدينية, فحرر الساحة السياسية أمام رجال الأزهر, وأطلق أياديهم, وتولي (الشيخ عبد الحليم محمود) مشيخة الأزهر بين عامي 1973 و1978, ويشهد التاريخ أن الرجل استغل الفرصة بأفضل ما يكون.

قام الشيخ بدور رئيسي في توسيع الأزهر, ونجح في فتح المزيد من معاهد الأزهر الابتدائية والثانوية لإستقبال أعداد متزايدة من الطلاب, بعد أن جاب القرى والمدن يدعو الناس للتبرع لإنشاء المعاهد الدينية, ثم أطلق ما أسماه بنفسه (استراتيجية متكاملة) لإعادة المجتمع للإسلام, وركز علي المزج بين الهوية المصرية والإسلامية للأزهر, معتبرا أنه مؤسسة تخدم العالم الإسلامي بأسره.

في العام 1974 حين حاولت جماعة متطرفة احتلال الكلية الفنية العسكرية تمهيدا للإستيلاء علي السلطة, هزّت المحاولة النظام, وقرر السادات تقليص السلطة الدينية, واعادتها بالكامل تحت سطوة النظام, وأصدر قرارا يتحدي سلطة شيخ الأزهر, بموجبه تعطي صلاحياته الي وزير الأوقاف, ويكون تابعا له, هنا احتج الشيخ عبد الحليم محمود وقدم استقالته, والمثير للدهشة, أنه طالب بتطبيق (اصلاح الأزهر) الذي قام به عبد الناصر, والذي يمنح شيخ الأزهر درجة وزير, حيث لا يجوز أن يتبع وزيرا آخر.

والمثير أيضا للدهشة, أن هذه الأزمة انتهت بانتصار كبير لشيخ الأزهر (عبد الحليم محمود) عندما سحب السادات قراره وأصدر القانون رقم 350 لسنة 1975, الذى بمقتضاه صار شيخ الأزهر بدرجة رئيس وزراء, من الناحية المالية, ويتبع رئاسة الوزارة إدارياً وعاد الشيخ الي مشيخته أكثر قوة عن ذي قبل.

في العام 1976 أرسل شيخ الأزهر الي قادة وملوك الدول العربية في طلب تبرعات مالية لتوسعة الأزهر بما يخدم هذا الهدف, وبحجة مكافحة المبادئ المنحرفة مثل (الإشتراكية) التي تمثل خطرا علي الدول الإسلامية, وتلقي (رسميا) تبرعات وصلت الي 3 ملايين من الدولارات معظمهم من السعودية والكويت, وان كان المبلغ الفعلي يفوق ذلك بكثير.

وبدأ الشيخ عبد الحليم محمود يسعي الي كسب المزيد من النفوذ السياسي, وإحياء دورهم التقليدي كمستشارين للحاكم, وأسس عدة لجان في مجمع البحوث الإسلامية مهمتها دراسة تطبيق الشريعة, وانتاج دستور إسلامي.

وفي نفس العام دعا الحكومة والبرلمان عبر (رسالة) أرسلها الي رئيس المجلس والي رئيس الوزراء, مطالبا بتطبيق الشريعة الإسلامية, وأصر علي إصدار العديد من النصوص القانونية لتطبيق الحدود, كان قد سبق إعدادها بواسطة رجاله, مستعينين بمتخصصين (محامون وأساتذة قانون), لوضع المجتمع في قالب من القانون الإلهي, من خلال فرض حكم الله مباشرة على الأرض.
ومن ضمن ما جاء في رسالته الي رئيس البرلمان :
“الحكم بالشريعة ليس قضية تخضع للمداولة تحت رحمة المناقشة باسم الديمقراطية… لا اجتهاد مع وجود نص شرعي”.

في يونيو 1977 نشأت أزمة أخري حين اغتالت (جماعة التكفير والهجرة) الشيخ الذهبي وزير الأوقاف الأسبق, فقد طلب دفاع المتهمين شهادة شيخ الأزهر لأنهم يعلمون شغفه بتطبيق الشريعة كاملة, ولكن المحكمة العسكرية اكتفت بسماع بعض العلماء من جامعة الأزهر ووزيرين سابقين للأوقاف, ولمّا كانت شهادتهم لا تكفي لإدانة القتلة, وتحججوا بطلب مزيد من الوقت للإطلاع علي أدبيات وفكر (جماعة التكفير والهجرة), الأمر الذي دعا المحكمة الي عدم الإستئناس برأيهم, وأصدرت حكمها, وقالت:
“ووا أسفا على إسلام ينزوي فيه رجال الدين في كل ركن هاربين متهربين من أداء رسالتهم أو الإفصاح عن رأيهم أو إبداء حكم الدين فيما يعرض عليهم من أمور، فلا هم أدوا رسالتهم وأعلنوا كلمة الحق، ولا هم تركوا أماكنهم لمن يقدر على أداء الرسالة”.

وهنا شعر شيخ الأزهر بأن البساط ينسحب من تحت إقدامه, فأصدر بيانا يتهم فيه المحكمة بالتعجل وعدم التثبت, وأنها لم تكن مؤهلة للحكم على هذا الفكر, وأنها تجهل الموضوع الذي تصدت لمعالجته, وكان يجب عليها أن تضم قضاة شرعيين يقفون موقفها ويشاركونها المسئولية, ويتمكنون من الاطلاع على جميع ظروف القضية ونواحيها, فيتمكنون من إصدار الحكم الصحيح.
الا أن الصحف امتنعت عن نشر بيانه ولم تنشره سوي صحيفة الأحرار.

توفي الشيخ عبد الحليم محمود في 1979, وعيّن السادات الشيخ محمد عبد الرحمن بيصار شيخا للأزهر, والرجل ظل إلى جانب السلطة, وعرف برفضه لفكرة المعارضة إلا في الأمور الجوهرية, وسعى لتجنيب الأزهر الصدام مع النظام.
وعندما قامت ثورة الخميني في طهران في سنة 1979, اتخذ السادات منها موقفًا معارضا, وقام بحل جمعية أهل البيت ومصادرة ممتلكاتها.
وقد وقف بيصار إلى جانب السادات وأصدر فتوى تحرم التعبد بالمذهب الجعفري, لتبطل فتوى سابقة كانت تجيزه صادرة عن شيخ الأزهر الأسبق محمود شلتوت.
كما أعلن دعمه لإتفاقية السلام قائلا “أن مصر تعيش هذه الأيام أمجد أيامها بالزيارة التي يقوم بها الرئيس السادات لتوقيع معاهدة السلام”, وأرسل إلى الرئيس السادات برقية تهنئة بمناسبة توقيعه المعاهدة.

وللحديث بقية …..
#بالعقل_والهداوة

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Sameer Zain-Elabideen سمير زين العابدين

خريج الكلية الحربية فبراير 1969, أعمل حاليا في النظر حولي وأشياء أخري, عقلي هو إمامي ورئيسي

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى