مفكرون

مقالى فى الاهرام عام 2009…


مقالى فى الاهرام عام 2009

وماذا بعد النقاب..؟

شريف الشوباشى

أدرك تماما أننى لست فقيها ولا أملك بل ولا أريد أن أصدر فتاوى شرعية فى قضية النقاب والحجاب التى يُفتى فيها بالمناسبة كل من هبّ ودبّ.. كما أدرك أننى لست عالما فى الفلك لكنى أستطيع مع ذلك أن أرى أشعة الشمس تضىء الدنيا بالنهار والقمر يتلألأ فى سويداء الليل. وأعنى بذلك أننى استطيع أن أرصد وأن ألمس الآثار الاجتماعية والإنسانية والسياسية الناجمة عن هيمنة قضية الحجاب والنقاب على المجتمع المصرى دون أن أكون بالضرورة عالما من علماء الدين.
ونحن نعيش الآن زمنا أصبحت فيه مسألة تحجيب وتنقيب المرأة قضية القضايا بحيث صارت أهم من قضية الشرق الأوسط وأهم من الالتزام بقيم العمل والأمانة والصدق فى القول والالتزام بالأخلاقيات. وقد آن الأوان أن أشارك فى الجدل الدائر الذى يهيمن على أحاديث الناس فى المنازل والمدارس والجامعات والمقاهى وأماكن العمل وتحول إلى بؤرة اهتمام وسائل الإعلام.
ولأننى عاصرت فى شبابى مصر بلا حجاب فقد أتيح لى أن أكون شاهدا على بداية هذه الظاهرة على أثر نكسة 67 عندما دَبّ اليأس فى القلوب وبدأ الحديث بالهمس أولا عن أن سبب الهزيمة هو أننا تركنا ديننا وابتعدنا عن الشرائع وأداء الفرائض. ولم أعارض فى ذلك لأننى تصورت أن هذا معناه مزيدا من الجدية والسماحة والضمير فى العمل والتحلى بالأخلاقيات والتمسك بالمثل العليا وكلها أمور ينادى بها ديننا الحنيف.
لكنى تيقنت بعد فترة أن الحجاب واللحية والزبيبة صارت كلها بدائل عن الالتزام بالأخلاق الحميدة التى يطالبنا بها ديننا عملا بالحديث الشريف الذى يقول “إن الله لا ينظر إلى صُوَركم ووجوهكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم”. ومغزى الحديث أن الجوهر أهم كثيرا من المظهر، فى حين أننا أصبحنا نقدس المظهر ونلقى بالجوهر فى سلة المهملات.
فقد تصور البعض أن الحجاب والنقاب هما بمثابة رخصة تُعفيهم من التكاليف الأخلاقية. أى أنه يكفى على الفتاة ارتداء الحجاب ليقتنع الناس بأنها طاهرة وعفيفة وأنها لا تكذب ولا تخطىء.. وليس مهما بعد ذلك ما تمارسه من أسوأ الأفعال.
ولو كان الحجاب والنقاب فرضا وجوبيا مثل الصلاة والصوم لالتزم به المؤمنون بنفس القدر. لكن الواقع أن أكثر من 95% من المسلمين فى العالم يقيمون الصلاة وما لا يقل عن 95% يلتزمون بالصيام.. أما بالنسبة للحجاب والنقاب فلا يزيد عدد المسلمات المحجبات عن 25% من بين نحو 600 مليون مسلمة فى العالم. ولو كان الحجاب والنقاب فرضا لا جدال حوله لما تركته نساء مصر لحقبة تناهز ستين عاما عاشت خلالها مصر بلا حجاب ولا نقاب مع أن الالتزام بالدين والأخلاق والمثل العليا كان وقتها أقوى كثيرا من الآن كما نعلم جميعا.
ومنذ بداية نشوء ظاهرة الحجاب لم تسمح وسائل الإعلام لأى صوت معارض أو حتى متسائل عن شرعيتها وملاءمتها للعصر الحديث بأن يخرج إلى الناس، فقد كانت هناك رقابة صارمة تحْجبُ أى رأى يجتهد لمناقشة مسألة الحجاب من خلال العقل والمنطق.
ومع الوقت تقبل الجميع الحجاب وارتضوا أن تُخفى الفتيات والنساء شعورهن فى الشارع والأماكن العامة. لكن تيارات الإسلام السياسى لم تكتف بهذا الانتصار الكبير، بل إن هذا الانتصار الكبير قد فتح شهيتها للمزيد.. من أجل التأكيد على إحكام سيطرتها على الشارع المصرى.. والهدف النهائى هو السلطة السياسية والوثوب إلى سدة الحكم.
وهناك اعتقاد خاطىء لدى الكثيرين بأن ترك الساحة الاجتماعية والحياتية للتيارات المُتمسّحة بالإسلام سوف يجعلها تبتعد عن ميدان السياسة وتكتفى بالسيطرة على فكر المصريين وقلوبهم وضمائرهم. وهذا الاعتقاد يشكل خطورة عظمى. فكلما زادت هيمنة الفكر السلفى على الشارع كلما خطونا خطوة جديدة فى طريق انقضاض هذا التيار على الحكم فى المستقبل وسط رضا الغالبية وقبول شعبى مستكين.
ومنذ سنوات أطل علينا رأى جديد بأن الحجاب لا يكفى وأن النقاب هو الحل وأنه ملزم لكل النساء بل وحتى لأطفال فى العاشرة من أعمارهن.
وعندما أمر شيخ الأزهر بحكمته المعهودة فتاة فى الحادية عشرة من عمرها بعدم ارتداء النقاب داخل الفصل الدراسى هاجت الدنيا وأقام أنصار تيار الإسلام السياسى الدنيا ضد رئيس أكبر مؤسسة دينية فى العالم الإسلامى لأن رأيه بتعارض مع الأجندة التى وضعوها لمصر وهى السيطرة الكاملة على عقول الناس.
وعَمدَ تيار الإسلام السياسى إلى استعراض قوته فى الجامعات بتنظيم مظاهرات معارضة لمنع النقاب داخل الحرم الجامعى وهى مرحلة لفرض النقاب على كل نساء مصر كما حدث مع الحجاب من قبل.
وعندما رأى المتنبى الناس فى عصره يَحْلقون الشوارب تمسّحا بالدين ثم يأتون بألعن الموبقات قال “أغاية الدين أن تحفوا شواربكم؟”. ولو كان المتنبى حيا بيننا اليوم لقال ” أغاية الدين تنقيبُ نسائكُمُ؟”.
فمتى نتنبّه لهذا المخطط الذى يبدو بريئا وكأنه لا يستهدف سوى الانصياع لأوامر ونواهى الدين لكنه يخفى فى باطنه نوايا السيطرة على المجتمع وإخضاعه لدكتاتورية شديدة البأس والشكيمة؟ متى ندرك أن الذين يحاصرون الفتيات ويضغطون عليهن من أجل ارتداء الحجاب والنقاب لا يفعلون ذلك لوجه الله ولا بحثا عن مرضاة الخالق وإنما يفعلونه لغرض فى نفس ابن يعقوب لا يمت للدين الحنيف بصلة؟
والآن : عمّا تتفتق عنه أذهان هؤلاء بعد النقاب؟ ماذا سيخرجون به علينا من جديد لبسط نفوذهم وإرغام الناس عليه متذرّعين بالدين والشريعة؟ أى بدع جديدة سيُخرجونها من جعبتهم لإثبات أنهم يُحْكمون السيطرة على الضمير المصرى الجماعى وعلى عقل ووجدان هذا المجتمع؟ وديننا الحنيف برىء من أغرضهم الدنيوية.
[email protected]

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

‫3 تعليقات

  1. القادم هو فرض الحجاب والنقاب بقوه القانون مثل أفغانستان واقامه الحدود عن طريق الجلسات العرفيه وانتهاء واختفاء ما يسمى السلطه القضائيه التى ستكون مجرد صوره فقط لا غير ….يجهزون مصر لكى تكون أفغانستان الشرق الأوسط لتسقط المنطقه كلها ….ومن ينظر إلى كثافه النقاب واللحيه فى الأرياف يعرف أننا قاب قوسين أو أدنى من نجاح هذا المشروع والسقوط فى حفره الدوله الدينيه

  2. جميل اللذي كتبته يا شريف،. انا داءما أتساءل من المستفيد بهذا كله، حينما تحدث بلبلة بين الناس من اعداء مصر المستفدين بذلك، فالظاهر على البني ادم ان ينطق بأنه يطبق الدين ان يصدقه الناس الجهلة، يا مسكينة يا مصر!

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى